كيف أخافتني الكتابة ورأيتها تهديدًا لأطفالي؟ [لقاء مع الأم والجدة الكاتبة مريم بازرعة]

يا مساء الألق…!

هناك سؤال دائمًا يتبادر إلى ذهني، وهو كيف تكون الأمهات اللواتي لديهنّ أطفال صغار بتلك الإنتاجية والتنظيم؟ قد لا يكنّ كذلك… وإذا كانت هناك أم بهذه الصورة فلتتواصل معي لتبيعني سرّها. عدتُ اليوم لأجمعكم مجددًا مع المبدعة مريم بازرعة.

وقبل الخوض في اللقاء دعوني أعبّر قليلًا عن محبتي واحترامي لمريم، مريم التي أخافتها الكتابة فاختارت أطفالها وياله من قرار. لقد سبق وصرّحت مريم بذلك في لقائي الصوتي معها في بودكاست رحلة كاتب، وها هي اليوم تعود لتصرّح مجددًا وتتحدث عن تجربتها مع الكتابة والأمومة بشكل مستفيض، أترككم مع اللقاء

كيف تعرّفين نفسك؟

في كلّ مرحلة يتغيّر تعريفي لنفسي بعض الشيء، إلّا إنّي سأذكر لكِ العناصر الثابتة وهي أنّني: أم وزوجة وجدّة، أحببتُ وما زلتُ أحبُّ القراءة والكتابة والتّعلّم والتّطوّر.

متى بدأت رحلتك مع الكتابة؟ 

أقصى علاقة لي أذكرها مع الكتابة كانت في الصفّ الثالث أو الرّابع الابتدائي، لكنّها كانت علاقة لم تنجح، بدأتُها عندما قالت لي والدتي رحمها الله: قرأتِ كلّ تلك القصص يجب أن تكتبي. فلمّا كتبت لم يعجبني ذلك، أظنّ أنّني كنتُ ناقدة شديدة منذ الصّغر.

كانت هناك وقفات تجدّدت معها تلك العلاقة؛ تارةً بهدف الفضفضة، وتارةً يهزّني أمرٌ ما للكتابة، ثم جاءت الدّراسة ومعها كتابة البحوث، ثم جاءت مرحلة العمل والتدريس ومارستُ خلالها الكثير من أنواع الكتابة المختلفة. لا أستطيع تحديد بداية رحلتي مع الكتابة بشكل قطعي.

ما الذي دفعك للكتابة؟

فلنبدأ من الأخير، ما يدفعني للكتابة بقوّة هو الرغبة في قول شيء؛ شيء ضاق به داخلي، أو تعليم وإرشاد لشخص، أو الإجابة عن سؤال، أو مناقشة فكرة استفزّتني للكتابة، أو غير ذلك من الرّغبة في قول شيء.

 ما  مصادر إلهامك؟

لا شكّ أنّ الأسئلة أكثر ما يستفزّني للكتابة لكن هناك شيء آخر، وهو الكتابة. عندما أبدأ الكتابة يأتيني الإلهام وتتوارد الأفكار وكأنّهم أشخاص يدعون بعضهم بعضًا دون طلب منّي. ويكثر الضيوف والوجوه وتكثر الأفكار والمعاني وحتّى المفردات، التي أستغربُ أحيانًا من أين أتت؟ حتّى إنّي أذهب بعدها للبحث عن معنى المفردة التي زارتني لأتحقّق من صحّتها.

هل كنتِ أما قبل الكتابة أم بعدها؟

باعتبار الممارسة الأكبر للكتابة، كنتُ أمًا قبل الكتابة.

كيف تصرفتِ في فترة الوحام مع الكتابة؟

آه يا دليلة، هل لي أن أضحك قليلًا؟! لم أعرف حالة الوحم تلك، حتّى إنّ هناك من نصحني بأن أتمارض بحجّة الوحم؛ خوفًا من العين.

كيف توازنين بين الأمومة والكتابة؟ 

أخافتني الكتابة كثيرًا في بداية الأمر؛ وشعرتُ بأنّها مصدر تهديد لأبنائي لأنّها كادتْ أن تخطفني؛ فتركتُها.

في بداية رحلتك مع الأمومة، هل عشتِ شعور التناقض بين دورك كأمّ وبين شغفك وحماسك للكتابة والحياة المهنية؟

لعل المكان هنا مناسبٌ لتوضيح أنّ الكتابة بالنّسبة لي لم تكن مثل كاتبات المحتوى الآن، ولم تكن تعني حياة مهنيّة بالفعل، لم أعشْ ذلك التناقض والتّنازع. فحياتي المهنيّة الحقيقيّة كانت في العمل في التّدريس والإشراف التّربوي وكانت الكتابة حينها على الهامش. إذا احتجتُ إلى كتابة شيء استدعيتُها.

ما هو أكثر شيء تحبينه في الكتابة؟ ما هي اللحظات الممتعة والتحديات التي واجهتها أثناء الكتابة؟

ربّما الاختلاء بنفسي والتحدّث معها، واكتشاف نفسي والمفاجآت الجميلة التي أجدها عندما أكتب، مثل الآن تمامًا فأنا أبتسم وأنا أكتب. التحدّيات ظهرت عندما اتّخذتُ من الكتابة عملًا، فمن الصّعب أن يفهم أعضاء الأسرة أنّ عملك يعني ألّا يكلّمك أحد أو ألّا يفتح عليك الباب.

وهم معتادون أن ينادوكِ مع كل صغيرةٍ وكبيرة تواجههم، فإلى أين تهربين؟ هذه عيّنة من التّحديات، إنّه تحدي الاختلاء للقاء الكتابة.

ما هو أكثر كتاب قرأته وترك فيك أثرًا؟

لا أعلم، ليس لديّ إجابة محدّدة. لكنّ تذكّرتُ كتابة جواهر الأدب للهاشمي كان رفيقي لسنوات ما بين المرحلة المتوسّطة والثانويّة، ومازلت تلك النسخة القديمة معي حتّى الآن.

هل عشتِ ما يعرف باكتئاب ما بعد الولادة؟ وكيف ساعدتك الكتابة في تخطي ذلك؟

لم يحصل ذلك والحمد لله، ولم تكن الكتابة حينها ضمن تفكيري أصلًا.

ما الذي تفخرين به في مجالك بصفتك أمًا وكاتبة؟

ربّما تكون الكتابة قرّبتني من أبنائي بطريقة لم أتوقّعها؛ فهم يقرأون ما أكتب ويبدون إعجابهم أو انتقادهم وملاحظاتهم أحيانًا، الكتابة أوجدت بيننا نقاط التقاء محايدة ونقاشات موضوعيّة وهو ما لا يحدث عادةً. وأشعر بأنّهم فخورين بي وباهتماماتي الجادّة.

الكتابة أم الأمومة؟ هل عصف بك هذا السؤال ذات ليلة؟

ذكرتُ سابقًا أنّني رأيتُ في الكتابة تهديدًا لأبنائي فتركتُها لمّا خِفتُها. وفي تلك الفترة كنت أكتب بحث التّخرج وكانت فرصة لمعايشة الكتابة، وجرّت معها كتابات أخرى فكما ذكرتُ في الأعلى الكتابة تغري بالكتابة. فأكملتُ بحث التّخرج وتوقّفت عن باقي الكتابات.

في رأيك، هل الأمومة هي ما يعطّل الأم الكاتبة؟ أم أنّ  لسوط الموروث والعادات الدور الأكبر في ذلك؟

لا أستطيع أن أعطي إجابات مفيدة عن هذا السؤال لأنّي لم أعايش تجربة الأمّ الكاتبة بالمعنى الذي تقصدين. لكن لو حاولتُ التفكير في الإجابة فسأقول:

ربما تكون العادات والموروث وأيضًا الأمومة لها تأثير في تعطيل الأم الكاتبة كما وصفتِ، لكن ما يعطّلها بشكل أكبر هو الوعي والقناعات وما تؤمن به تجاه الكتابة. فالمرأة إذا آمنت بشيء ستجد الحلول لتصل إلى ما تريد. ودعيني أستطرد هنا قليلًا وأقول:

هناك مساحة عند كل امرأة لاختيار ما تريد فعله مهما كانت مسؤولياتها، ولكنّ بعض النّساء -وأنا منهم- يردْن فعل كلّ شيء فلا يستطعْن، فيبدأن بالتّضحية ببعض الأمور التي ربّما يكون من بينها الكتابة، هذا يدلّ على أن الكتابة في تلك الفترة ليست أولويّة.

تقول مجدولين الرفاعي: “أولادي هم أجمل الروايات التي كتبتها بكل فخر وما زلتُ أعتز بإنجازاتي العظيمة” ما رأيك أنت في ذلك؟

كلام أدبي جميل ورائع، لكنّ لا يُناسبني أن أتمثّل به، لأنه إنْ كان أبنائي على خير وصلاح فذلك من نعمة الله عليّ أحمدُه وأشكره عليها، وليس لي يدٌ في ذلك ولا أعدّه من إنجازاتي. أمّا دوري تجاه أبنائي فهو مسؤولية سأحاسب عليها، فكلكّم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته.

فنحنُ مسؤولون عن تأدية واجبنا لكن لا نملك أن تكون نتائج تربيتنا كما نحبّ. ومن جهة أخرى فنحن نحبّ أبناءنا على كل حال ودون شروط.

تقول الكاتبة إليف شافاق في روايتها حليب أسود: «يوم عرفت أني حامل، ارتعبت المرأة الكاتبة بداخلي…” هل جربت ذلك؟

إطلاقًا، فلم تكن المرأة الكاتبة موجودة أصلًا.

أما الكاتبة بثينة العيسى فتقول: “الأمومة مثل الكتابة. إنها عملية استدعاء متواصلة لأمومة النساء السابقات؛ أمي، جدتي، أم جدتي، جدّة جدّتي (..) أنا مجرد حلقة في سلسلة من النساء؛ حمّالات الحكايا، حارسات الذاكرة (..) الأمومة مثل الكتابة؛ إنها محاورة مع أمومة سابقة وانفتاح على أمومةٍ آتية. عملية استدعاء أبدية للذاكرة، وهي المكان الذي تكتسي فيه المجتمعات بالخصوصية، وتحظى بالهوية والتفرد”.

ما تعليقك على هذا الكلام الذي نشرته في عيد الأم من سنوات مضت؟

أحببتُ الكلام جدًا، لكنّي لا أستطيع التعليق عليه لأني فهمت من النقاط أن هناك جمل محذوفة. وإن كنتُ سأعلّق بناء على ما هو موجود، أقول:

نعم الكتابة عمليّة لا ندرك جذورها، اتّصالها بالسابق وثيق وعميق وغير محدّد، وهو يتجاوز ما قرأناه وحصّلناه بمفردنا إلى ما تحصّلت عليه أمهاتنا وجدّاتنا، وامتدادها اللاحق كذلك يحمل كلّ ما استوعبناه من مخزون حكايا وذاكرة ومفردات وو، ليسلمه إلى من بعدنا.

لذلك فالكتابة الحقيقيّة تتّصف بالخصوصيّة والتفّرد وتحمل الهوية الضاربة في العمق مثلها مثل الأمومة الممتدّة، وكما أنّ هناك جينات عابرة للأزمان تحمل الشكل والهيئة، فهناك جينات تحمل اللغة ومخزون المعاني عبر الأزمان.

صفي لي الأمومة في جملة واحدة من وجهة نظرك وتجربتك؟

“يا أمّي يا شايلة همّي”، بدا لي أن أستشهد بهذا المثل الذي تردّده خالتي وهو مثل حضرمي (يمني)، فأعظم ما تهتمّ له الأم في هذه الدّنيا هو ابنها.

وصلنا إلى نهاية لقاء اليوم الممتع، والرائع المليء بالمعاني القيّمة. أراك في لقاء آخر مع مبدعة أخرى، إن كنت مهتمًا أو مهتمة بالموضوع ولديك أم تُعرّف بتجربتها المميزة في الأمومة والكتابة فلا تبخل بإرسال معلوماتها لتكون ضيفة على مدونتي، ولطلب خدمات الكتابة أو أي استفسار… تواصل مباشرة على:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حقوق الصورة البارزة: من تصميم الذكاء الصناعي سلمت يداه.


اكتشاف المزيد من مدوّنة دليلة رقاي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

رأي واحد حول “كيف أخافتني الكتابة ورأيتها تهديدًا لأطفالي؟ [لقاء مع الأم والجدة الكاتبة مريم بازرعة]

أضف تعليق