أهلًا بك في هذا اللقاء الرائع…
قبل خوض تجربة الأمومة أو بالأحرى رحلة الأمومة، فكرتُ في إجراء لقاءات نصيّة مع الأمهات اللواتي يمارسن الكتابة كمهنة أو كهواية، لأرى وأستفيد من تجاربهنّ. وبعد مدة من نشر عدّة لقاءات تذكرتُ الأستاذة مريم الهاجري، وفكرتُ في إجراء اللقاء النصّي معها.
وحين عدتُ للدردشة معها، وجدتُ أنها فعلًا أجرَت اللقاء وأشادت بأسئلته… ولم أنتبه لرسالتها، لأنها أرسلتها لي في نفس اليوم الذي ولد فيه صغيري ياسين حفظه الله وجعله من عباده الصالحين المصلحين. وبدون إطالة دعونا نستمتع باللقاء أو نقرأه، وأسأل الله أن يفيد الجميع.
ملاحظة: اللقاء طويلٌ بعض الشيء، لكنه ملغّم بالنفع والنصائح الصادقة.
كيف تعرّفين نفسك؟
طموح في هيئة بشر. وإن أردت التعريف الرسمي.. فمُحبتك مريم الهاجري، أم تحب أسرتها كثيرًا، وترى أن الأسرة ركن الأمة الأول الذي ينبغي أن تحافظ عليه.
متى بدأت رحلتك مع الكتابة؟
بُعيد رحلة القراءة. فأنا من عُشّاق القراءة حتى الهوس. بدأت رحلتي مع القراءة حينما كنت في الصف الثاني الابتدائي، أنهيت كل قصص ماجد ومجلات الأطفال في مكتبة المدرسة تلك السنة والتي تليها، ربما كنت الوحيدة التي تزور المكتبة في أغلب الأحيان، أستعير منها أجمل الهدايا على هيئة كتب، حتى اعتادت معلماتي ذلك.
وفي الصف الرابع، أخبرتني أمينة المكتبة أنه ينبغي عليّ أن أختصر كل كتاب أقرأه! لم ترُقْ لي الفكرة، وأبديت لها ذلك، فأخبرتني أنه قرار من الوزارة. أزعجني ذلك في ذاك الحين، أما الآن، فأشكر الوزارة وأ. هيا الثويقب وأدعو لها.
فلقد كانت تلك الملخصات باكورة إنتاجي الكتابي واكتشاف موهبتي وتهذيبها؛ كانت فكرة صعبة بالنسبة لي، إلا أني اكتشفت أنها كانت أسهل مما أتوقع يوم شرعت في التطبيق. لقد اكتشفت متأخرًا، أن الأشياء لا تبدو على حقيقتها حينما نراها لأول وهلة!
ما الذي دفعك للكتابة؟
الحقيقة أني أتنفس الكتابة -إن صح التعبير- وأُنفِّس بها عن نفسي، أُعبر عن أفكاري، ووجهات نظري، ومشاعري بالكتابة. مثلًا: قصة “فراولة العمة ماريا” وإن كانت موجهة للفتيان، إلا أنها كانت نتاج مواقف كنت أتناقش فيها مع محبطين أو غير مبالين، مثلها مثل مقال “الخيط الرفيع” و “عديل الروح”.
كذلك قصة “لغز في المكتب الإنجليزي العتيق” وإن كانت حل واجب لورشة أخذتها مع أ. خلف القرشي، إلا أنها كانت رسالة لشخص ما أقصده بعينه؛ رمزت له “بشخصية منير” في القصة، وكانت الرسالة في القصة هي قول أبي عبدالله له: “منير، الطموح وحده لا يكفي!”. وأيضًا قصة “منزل الجد إدوارد” رمزية لها وقع خاص في قلبي.
أحيانًا تكون المواقف أكبر من الحديث؛ أشد من اللوم؛ أعمق من النقاش، فأستعيض عن ذلك بالكتابة، سواءً قرأ الآخر أم لم يقرأ ، علم أنه المقصود أم لم يعلم. لقد وجدت أني أتعافى من كل ألم بالكتابة.. والظروف التي لا أكتب فيها، أظلُّ متعبة، مرهقة لفترة أكثر.
ما مصادر إلهامك؟
عندي قناعة أن الكون متاح للجميع، به كل الأرزاق، المتفائل سيحصل على ما يريد، والمتشائم سيظل قابعًا في زاويته، مرتديًا نظارته السوداء التي تحجب عنه النور والضياء وكل الفرص! في كتابتي، في أفكاري لا أحتقر شيئًا لا أستلهم منه.
أنا مؤمنة أن الله لم يخلق شيئًا عبثًا، وأنه يجدر بنا أن نستفيد من كل شيء. أتأمل، أفكر، أحلل أي موقف، قصة، عبارة، حُلُم.. قد تهجم عليّ الأفكار في أي مكان، وأي وقت، والحقيقة أني لا أُدوّن أكثرها، لأنها لا تأتي في أوقات الفراغ والراحة دائمًا، هل تتخيلي أني كتبت تدوينة كاملة وأنا على جهاز السير الرياضي في النادي.. الهوس مشكلة 😉
أما حينما أريد أن أكتب ولا فكرة لدي، فأفكر في الأحداث حولي، حتى الاقتصادية والسياسية، -لن أكتب في ذلك بطبيعة الحال، فمن تكلم في غير فنّه أتى بالعجائب- ولكني استلهم منها أفكارًا لا علاقة لها بالسياسة والاقتصاد، والربط عندي عجيب كما في هذا المقال: “كيف تكون غزير الإنتاج وتنتج أفكارًا متعددة من مصدر واحد؟”.
أو أتأمّل في بعض الكتابات لغيري، أحيانًا من كلمة في نص لأحدهم تبزغ فكرة، ينتج عنها صفحات، إنني أتأمّل في كل شيء، وأقرأ في أي شيء، وأشاهد أي فيديو أو مقطع، بحثًا عن فكرة.. ولله الحمد لا يُعييني ذلك كثيرًا.؛ فلقد شاركت في تحدي رديف وكتبت 41 مقالًا بشكل يومي كما تعلمين.
ثم ألزمتُ نفسي بالتدوين الذري لمدة 101 يوم، وهذا يعني أني كتبت قرابة الـ 100 فكرة مختلفة كل يوم بفضل الله.
هل كنت أما قبل الكتابة أم بعدها؟
بعدها.
كيف تصرفتِ في فترة الوحام مع الكتابة؟
الحمدلله.. أنا من النساء اللاتي يعانين كثيرًا.. فالوحم يستمر معي 9 أشهر كاملة وعلى أشدّه.. لذلك لا أستطيع مزاولة الحياة الطبيعية.
كيف استطعت أن أتجاوز تلك الفترة؟
بعدم اللوم، أنا متصالحة مع نفسي، راضية بقضاء الله، متفائلة بأن القادم أجمل، والتعب 9 أشهر ثم يزول بحمد الله لتأتي نتائج أجمل، وأعود لأحقق ما أريد. لا أذكر أنني كتبت شيئًا يذكر تلك الفترة، لانعدام رغبتي في الكتابة، كبقية الأشياء التي أصبحت لا أرغب بها.
كيف توازنين بين الأمومة والكتابة؟
في كل شيء الأمومة أولًا.. لأنها مشروع حياة أمة. حينما يعرف المرء أولوياته، ويخطط لوقت ينجز فيه أهدافه بواقعية، بعيدًا عن المثالية، يستطيع الموازنة.
الأم تعرف احتياجات أسرتها، وإذا ما رتبت وقتها وجدت وقتًا ت
فكر فيه وتكتب، يختلف ذلك بطبيعة كل أم؛ وظروفها. إلا أني أرى أن الركيزة الأولى في ذلك هي “القناعات والإيمان بالهدف”، بغض النظر عن الكتابة أو الهدف الخاص، كل أمور الحياة تسير بشكل روتيني، لاقتناعنا بسيرورة ذلك وضرورته، إذًا فلتكن الكتابة أو الهدف ضمن هذا الروتين.
في بداية رحلتك مع الأمومة، هل عشتِ شعور التناقض بين دورك كأمّ وبين شغفك وحماسك للكتابة والحياة المهنية؟
لا.. لإيماني بالهدف، وأنه مسؤوليتي أنا.. أنا بطبيعتي مرنة في أغلب الأحيان، وأغلب الأشياء لكي أصل إلى هدفي.. ولا يعني ذلك الإخلال بالهدف؛ هل تعلمين أني أنجبت اثنين من أبنائي وأنا في الجامعة، ولم أحضر حفل التخرج لأني كنت في نفاس ثالث أبنائي،
وهي تعاتبني الآن: (لمَ لمْ تتركيني في المنزل وتحضري الحفل؟) لقد كان حلمي أن أرتدي عباءة التخرج وأنظم لصفوف المسيرة، إلا أنها كانت ذات الـ 16 يومًا.. فكيف يطيب لي تركها؟ ومع الأمومة، حققت المركز الأول على كليتي العلوم والآداب في بحث لا منهجي من 50 صفحة،
مقدّم لحملة الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعنوان ” التعامل النبوي مع المخالفين.. المنهج والعبر” وكان تعليق اللجنة: “الطالبة تعرف عما تكتب”. سرّني ذلك كثيرًا.. كنت أمًا لاثنين وقتها.
ما هو أكثر شيء تحبينه في الكتابة؟ ما هي اللحظات الممتعة والتحديات التي واجهتها أثناء الكتابة؟
أحب فيها مساعدتي على التوازن النفسي، وإسعادي بالثراء المعرفي. في كل مرة أكتب، ازددْ علمًا، وثقةً، وبالتالي راحةً ورضا. الممتع في الكتابة هي شحذ قلمك لها، أجمل المُتع قلم pilot أزرق، وورق A4، تشعرني أني أُنافس غازي القصيبي رحمه الله، والحقيقة أن الابتسامة الساخرة على ثقتي المفرطة بقلمي في ذلك الشعور..
هي وقود الكتابة، جميل أن تكتب وأنت تشعر أنك ستكتب شيئًا راقيًا قيّمًا، والأجمل أن تراجعه فيما بعد لتُقيّمَه، فإما أن تُقرّه، وإما أن تُنقّحه، أو تحذفه، لا بأس! المهم أن تكتب.
أهم التحديات كانت الوقت والبحث عن الهدوء، وقد تكلمت عنها في معرض ردي على سؤال طرحته دينا الهواري في منصة إكس.
ما هو أكثر كتاب قرأته وترك فيك أثرًا؟
غيّر أسئلتك تتغير حياتك لـ د. مارلي آدمز؛ وددت لو أن كل من أحب قرأه!
والعادات الذرية لـ جيمس كلير؛ كتاب عجيب جدًا، أفردت له 4 أعدادٍ من نشرتي البريدية، وتحسنت حياتي بشكل ملحوظ، ومما أسعدني أنه يتبنّى نفس طريقتي فيما يخص العادات الصغيرة أو الذرية كما أسماها، ووجدت توافقًا بيننا في ذلك، فقد أطلقت -قبل قراءة الكتاب بسنوات- برنامج العناية عمق، والذي يعتمد نفس فكرة الكاتب. فيا محاسن الصدف!
هل عشتِ ما يعرف باكتئاب ما بعد الولادة؟ وكيف ساعدتك الكتابة في تخطي ذلك؟
الحمدلله لم أمر بذلك.. صحيح أنه كان كابوسًا في فترة الحمل، إلا أن عناية الله قد أحاطتني فحمتني منه، ربما هداني الله إلى استشعار الفرح بالنعمة المهداة لي (طفلي أو طفلتي) بالرغم من أنه في بعض المرات كنت أمر بظروف صعبة، ولكن تفاؤلي كان مساهمًا بشكل كبير في استقراري النفسي.
ثم إني على قناعة تامة أن كل شدة، أو أمر سيء سيزول.. فإما أن أُغيّر وضعي للأفضل، أو أتعايش معه لأنه لن يدوم، وكما قيل: “أحسنوا وفادة البلاء!” ربما تتعجبين من هذه المقولة مثلي لمّا قرأتها أول مرة! نعم أحسنوا وفادة البلاء، بالصبر عليه مع الفأل الحسن بأنه سينجلي، والإيمان بأن قضاء الله كله خير؛
فربما كان هذا البلاء صارفًا عن بلاء أشد منه لو حدث! كما أني كنت ولا زلت أرجو أن أكون عند البلايا من الصابرين الحامدين.. نسأل الله أن يثبتنا ولا يفتنا وأحبابنا والمسلمين.
ما الذي تفخرين به في مجالك بصفتك أمًا وكاتبة؟
ربما ليس فخرًا بالمعنى الحرفي، لأني لم آتِ بما لم يأتِ به الأوائلُ! فأنا لم أفعل كما فعلت الورّاقة مريم بنت عبد القادر في القرن السادس الهجري، والتي نسخت قاموس “الصحاح” لأبي نصر الجوهري، وكتبت في نهاية القاموس: “أرجو من وجد فيه سهوًا أن يغفر لي خطئي، لأني كنت بينما أخط بيميني، كنت أهز مهد ولدي بشمالي”.
ولكني أسعد أني -وكما قالت إحدى قريباتي-: “مريم هي التي بنت نفسها من الصفر حرفيًا”. يسعدني أني وبالرغم من مشاغلي، والظروف الصعبة التي مرت علي، كنت أخبو بطبيعة الحال، ولكن لا انطفئ. واليوم، لدي شيء أحدث أبنائي به عندما يسألونني، وهم -أي أبنائي- يرون أني منجزة بشكل كبير ولله الحمد، والأجمل أن كل أسرتي -بفضل الله- أصبحوا يحترمون وقت الكتابة عندي…
ويوفرون لي الأجواء الهادئة، حتى الصغيرة أصبحت تعرف في أكثر الأحيان، أن وقت الكتابة هذا حق خاص لي، يجب أن تساعد في إتاحته، وإخوتها يحثّونها على ذلك، وإن عاندت كعادة الأطفال، يتحايلون عليها، ويشغلونها بأي شيء لأجلي. هذا يسعدني، ومما أفخر به، أن أبنائي تعلموا احترام أوقات الآخرين، وهم داعمي الأول بعد أبيهم، ومن يدري ربما تصبح إحدى بناتي كاتبة، إذا أحبّت تقليد أمها.
يسعدني وربما ما يشعرني بالفخر، أني لا زلت أجاهد في بعض الأحيان لأكتب، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قومٍ منالٍ
إذا الإقدام كان لهم ركابا
الكتابة أم الأمومة؟ هل عصف بك هذا السؤال ذات ليلة؟
نعم.. وأرى أنه أمر طبيعي.. فالأمومة ليست سهلة، وإلا لما فضلها النبي صلى الله عليه وسلم على الأبوة في الحديث الذي رواه الشيخان: {عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ -يعني: صحبتي، قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك}.
وبفضل الله أني مؤمنة بجزيل كرم الله سبحانه، لذلك أرفض دائمًا تلك الأفكار والخواطر التي تحصر الخير في جانب واحد، وأقول لنفسي مسليةً: إن الله كريم ولا يعجزه شيء، وهو القادر أن يأتيني بهم جميعًا، والمسألة مسألة ترتيب أولويات.
كما أني مقتنعة أن ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلُّه؛ لذلك آخذ من كل شيء حَسَنٍ ما يمكنني أخذه، وأُراعي أولوية الواجبات والحقوق، ولا أنسى نصيبي من الدنيا.. وهكذا، تمر الحياة حلوة. بالمناسبة، أنا أيضًا مقتنعة أن قدراتي متوافقة مع رؤيتي لها…
وكذلك كل إنسان، فالذي يرى أنه يستطيع، هو فعلًا يستطيع؛ والذي يرى عكس ذلك، هو فعلًا يعيش ما يراه! لكن المصيبة أنه أساء تقدير نفسه، لأن الله لم يكلف البشر شيئًا لا يطيقونه، والتأمل في حال البشرية يثبت ذلك.
كما أن تقليل المرء من شأن نفسه أخشى أن يكون فيه شيء من عدم الأدب مع رب العالمين -جلَّ وعلا- الذي خلقنا في أحسن تقويم، وسخّر الكون كلّه لنا كما قال سبحانه في سورة الجاثية: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وأقلّ ما في الأمر أنه أهدر الطاقات التي حباه الله إياها، والفرص التي هيّأها الله له، فلم يقتنصها أو لم يرها بالكلية من سوء تقديره لنفسه وتقليله من شأنها! فلو تفكرنا في هذا التسخير الذي حبانا الله إياه، ما يئسنا من روح الله، ولا استسلمنا للظروف والمعوقات، ولأشرقت بنا الدنيا، كما أشرقت بغيرنا من الذين فهموا الدرس جيدًا.
لقد وعى رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل ذلك حينما قال: “كل الذين نهضوا بعد السقوط، لم يغيروا أقدامهم، بل غيروا أفكارهم”. إذًا.. فكل شيء تحكمه قناعاتنا.. إذا كنا نرى ضرورة التخلي، لن نستطيع المضي قُدُمًا.. وإذا كنا نرى إمكانية البقاء.. فسنبقى ونستمر.
في رأيك، هل الأمومة هي ما يعطّل الأم الكاتبة؟ أم أنّ لسوط الموروث والعادات الدور الأكبر في ذلك؟
يتشاركان.. وإن كان للموروث نصيب الأسد في أغلب حياتنا.
تقول مجدولين الرفاعي: “أولادي هم أجمل الروايات التي كتبتها بكل فخر وما زلت أعتز بإنجازاتي العظيمة” ما رأيك أنت ذلك؟
أنا معجبة جدًا بقدرتها على التعبير عما يدور في خلدي وأؤمن به. نعم هم أجمل ما خطته يدي، وأروع وأغلا ما قدمته للحياة.. كان أولادي ولا زالوا مشروعي الذي قاتلت من أجله، ولله الحمد أنه من أنجح مشاريعي -بفضل الله-.
تقول الكاتبة إليف شافاق في روايتها حليب أسود: «يوم عرفت أني حامل، ارتعبت المرأة الكاتبة بداخلي…” هل جربت ذلك؟
عزيزتي الأم.. أنت نصف المجتمع ومادة النصف الآخر المؤثرة بشكل كبير في تكوينه وصلاحه وإعماره، افرحي بعطايا الرحمن ومنحه التي قُدمت لك بأخبار سارة وبشائر أنك حامل.. فكثير من نساء العالم تتمنى سماع مثل هذه الأخبار وتدفع لأجلها المبالغ الطائلة، والله اختصك بها دونهن، فكيف تخافين من أجمل الهدايا؟!
تستطيع المرأة الموازنة بين أحلامها وأهدافها، وبين أسرتها وأمومتها، وكما أسلفت، ترتيب الأولويات والتقديم والتأجيل مهم هنا لحياة هانئة، وموهبة وهواية مستمرة.
أما الكاتبة بثينة العيسى فتقول: “الأمومة مثل الكتابة. إنها عملية استدعاء متواصلة لأمومة النساء السابقات؛ أمي، جدتي، أم جدتي، جدّة جدّتي (..) أنا مجرد حلقة في سلسلة من النساء؛ حمّالات الحكايا، حارسات الذاكرة (..) الأمومة مثل الكتابة؛ إنها محاورة مع أمومة سابقة وانفتاح على أمومةٍ آتية. عملية استدعاء أبدية للذاكرة، وهي المكان الذي تكتسي فيه المجتمعات بالخصوصية، وتحظى بالهوية والتفرد”
ما تعليقك على هذا الكلام الذي نشرته في عيد الأم من سنوات مضت؟
كلامها أروع من أن أعلق عليه، شدني ذلك للقراءة لها كثيرًا.. سأكون ممتنة لك لو وصلتني بحساباتها عزيزتي دليلة. لقد أحببت تطويعها الجميل للمفردات في خدمة النص. مفرداتها رائعة جدًا.. (حمالات الحكايا، حارسات الذاكرة، وهي المكان الذي تكتسي فيه المجتمعات بالخصوصية، وتحظى بالهوية والتفرد). مفرداتها عميقة جدًا جدًا.. تذكرني بمفردات لبنى الخميس.
لا.. لست أنا من يعلق على كلامها ويُقيّمه، وإن كان قصدك المعنى، فهي حكت ما أؤمن به، وأرى أنه الواقع الذي يجب أن تعيشه كل أم.
صفي لي الأمومة في جملة واحدة من وجهة نظرك وتجربتك؟
الأمومة هي أن تعطي بحب، وتمنع لأجل الحب.
هل لديك نصائح للأمهات اللواتي يرغبن في الكتابة؟
- لكي تحافظي على هويتك بصفتك كاتبة، لا تجعلي الكتابة في موضع خيار مع أي شيء آخر، الكتابة ليست خيارًا.. بل هي نَفَسٌ تحيا به أرواح الكُتّاب ومادة حياتهم.
- ولكي تستمر معك روح الكتابة، استبدلي “هل” بـ “كيف”. فبدلًا من: هل أستمر في الكتابة؟ أو هل استغني عن الكتابة لأجل “كذا”؟ أو هل استغني عن “كذا” لأجل الكتابة؟ اجعلي سؤالك أرحب.. الكون فسيح استعيري من سعته شيئًا لسؤالك وقناعاتك؛ وليكن سؤالك الذي ستجيبين عنه بصدق وعزم: كيف يمكنني التوفيق بين الكتابة و”….”؟
لا بفضل الله.. ونصيحة أوجهها لكل الأمهات، كاتبات وغيرهن، المرأة الصالحة مشروعها الأول هو بناء الأسرة الصالحة، وما عدا ذلك فهي مشاريع مساندة، لها أهميتها ووزنها بالطبع؛ ولكنها لا تقارن بالأمومة واستقرار الأسرة.
من وجهة نظري أن أي هدف، سواء كان الكتابة أم غيرها، متاح تحقيقه -بعد عون الله- إذا ما اعتقد صاحبه إمكانية ذلك، ثم وافق هذا الاعتقاد عمل.
- إذا كنت أمًا مشغولة، فالتخطيط (قصير/طويل المدى) مفيد لك كثيرًا.
- تأجيل بعض الأهداف -ومنها الكتابة- مفيد عند الطوارئ والأوضاع الجديدة (وضع حياتي جديد يعني: حمل، ولادة، سفر، مرض… إلخ) حتى يستعيد المرء توازنه وحياته الطبيعية، ويعود لممارسة هواياته، ومزاولة خططه لتحقيق أهدافه.
- تجزئة الهدف الكبير إلى أهداف صغيرة فعّال لضمان استمرار المضي قُدُمًا نحو الهدف الكبير، نعاني نحن الأمهات من ضيق الوقت لتحقيق الهدف الكبير، لذلك أجتهد دائمًا لاقتناص الدقائق المتناثرة في يومي، وقُبيل وبُعيد الأعمال الروتينية، للمضي قُدُمًا نحو أهدافي، ولا أكتفي بأوقاتها المخصصة لها فقط.
- عزيزتي الأم المجتهدة.. لم أبلغ ما بلغت لأن الأمور والظروف كانت مواتية ومهيأة لي بالكامل؛ فلولا لطف الله بي ومعونته لي ما شككت خيطًا في إبرة، ولا خطّ لي حرف على ورق، فاستعيني به، وتوكلي عليه، واطلبي العون منه وتسديد وتيسير كل أمر…
ليكن الدعاء رفيقك في كل درب تسير به رغباتك، وتنعطف فيه خطواتك. ثم بعد توفيق الله، جعلت لي نظامًا أُلخصه لك في:
- ما لا يُدرك كله لا يترك جُله.. فإن لم يكن بالإمكان كتابة ألف كلمة.. فالاستمرار على المئة كلمة يبقيك كاتبة حتى يأذن الله بصلاح حالك.
- إيماني الكامل بهدفي. فالهدف يضعف عندما يتزعزع إيمانك به.
- أُقبل على هدفي إقبالًا كاملًا يشعر به من حولي.
- احترم وقت هدفي وبحزم، فيحترمه من حولي مع مرور الوقت.
- لا أكون أنانية، فأعطي كل ذي حق حقه ممن حولي، فتطيب نفوسهم ونفسي.
- اتباع طريقة الأهداف الصغيرة.
- تعرفي الدقيق على قدراتي.
- ترتيب الأولويات والمرونة والتخطيط، ووجود الخطة [ب] دائمًا.
عزيزتي.. الحياة لا تسير على وتيرة واحدة.. ربما أكتب حتى جف القلم في وقت وجيز.. ويا لسعادتي حينئذ. وربما أتوقف لظروف أمر بها حتى يلفّني الحنين؛ إلا أني لا أجزع.. لأن الخيرة فيما اختاره الله دائمًا. المهم هو بقاء الجذوة مشتعلة.
وأهم شيء يساعدك في تحقيق أهدافك هو يقينك برحمة الله وعدله، وأنه سيساعدك ويأخذ بيدك، ولن يخذلك، فهو الكريم اللطيف، سيحيطك بكرمه، ويغمرك بلطفه، وما أجمل هذا الكرم، وما أبلغ هذا اللُطف!.. حينما تشعرين بهذا الشعور وتؤمنين به، ستتصاغر أمامك كل العوائق والمصائب، وستنعمين بجنة الرضا.
التوكل على الله يكفيك هم اكتمال العمل.. والدعاء يصنع المعجزات، فلِم القلق!
دمتي بخير..
الخميس 26 محرم 1446هـ
1 أغسطس 2024م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاركني رأيك دائمًا، فأنا في الخدمة والاستماع، فقط اضغط زر تلجرام وستراني هناك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقوق الصورة البارزة: من تصميم الذكاء الاصطناعي.
اكتشاف المزيد من مدوّنة دليلة رقاي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.