كلمات تسكن قلبي منذ زمن المذياع وأكثر شيء احتضنته وأحببته…

كنت طفلة حين عرفت أنني أحمل اسم مذيعة جزائرية كان صوتها يصل إلى الناس من خلال المذياع، الذي كنت دائمًا أنظر إليه وأنا محتارة… يا إلهي كيف لهذا الشيء الصغير أن يتسع للبشر ويتحدثون بأريحية ونسمعهم من خلاله. كان لغزًا محيرًا …

نرى في زماننا اليوم ألغازًا أكثر من المذياع لكننا لا نتسائل ربما لأننا مشغولين بما يكفي، أو ربما لأننا لم نعد أطفالاً… وفقدنا شعور الدهشة…

كان المذياع أقرب إليّ من أيّ شيء، كان ينام بجانبي مثل هاتفي اليوم، وحين أستيقظ في الصباح أتحسس المقبس وأخفض الصوت على آخره حتى قبل أن أشعله، حتى لا أزعج من في البيت وقتها لم يكن هناك سماعات الآذن، ثم ارفع الصوت لدرجة بسيطة حتى أسمع بعض التلاوات…

كانوا يبثون بعد القرآن الكريم، النشيد الوطني ومن ثمّ موجز إخباري ثم يأتي برنامجي المُفضّل “شعبٌ يقرأ، شعبٌ لا يجوع ولا يُستعبد” إن لم تخنّ الذاكرة كان يقدمه المترجم والكاتب الجزائري أمين الزاوي، كنت أذهب للمتوسطة بعد إنتهاءه.

وأعود في المساء بعد يوم دراسي طويل، لأننا وقتها كنّا ندرس حتى بعد العصر وليس مثل برنامج اليوم، وبحكم بُعد المتوسطة عن المنزل أصل إلى البيت مع السادسة مساءً، حيث يتمّ الربط مع الاذاعة الثقافية، ويبدأ مسائي مع الإذاعة إلى غاية الثامنة ليلًا.

لا أذكر أسماء المذيعين بالضبط لكنّني أذكر صوت أحدهم وأستطيع تمييزه لو سمعته مرة أخرى، رغم أنّ جودة الصوت وقتها ليست مثل البودكاست اليوم، إلا أنّ تلك الأصوات لا تزال تسكنني.

هكذا كنت أقضي وقتي في فترة المتوسط والثانوي، بين القراءة في جرائد مثل: اقرأ، العربي، القلم... والاستماع إلى المذياع ليل نهار، وخاصة البرامج الثقافية والدينية، كانت حياةً هادئة بطيئة نشعر فيها بكل شيء ونقدّر قيمة النسمة لأننا نستشعرها بكل حواسنا، أما اليوم فنحن بحاجة إلى مثيرات أكبر وأعمق لنستشعر وجودنا.

أحنّ لتلك الأيام بشكل جنوني، وأرغب بعيش ذلك ولو ليوم واحد، يوم واحد في ذلك الزمن سيكون كافيًا لتهدئة روحي وإفراغ كل هذا الصخب من أعماقي، أتذكر أنّ ذلك المذياع أحيانًا لا يلتقط الاشارة حتى أحمله، وما إن أضعه على الطاولة حتى يذهب الصوت ويحلّ محله التشويش، وكان أبي يقول لي مازحًا: دمك يساعد على التقاط الاشارة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حقوق الصورة البارزة: Photo by Brett Sayles on Pixels

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يسعدني استقبال تواصلك، نقدك، اقتراحك على زر البرقية

رأي واحد حول “كلمات تسكن قلبي منذ زمن المذياع وأكثر شيء احتضنته وأحببته…

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s