أنتَ شخصٌ مجنون [ قصة شبه قصيرة]

عشتُ حياةً مزيفة، حتى جاء اليوم الذي متُّ فيه وعدتُ إلى الحياة. أستيقظ كل صباح وأذهب إلى المدرسة وأجلس على الكرسي وأحدّق في وجه المعلّم لساعات، لا أدري ربما كنتُ حينها مستمتعة وأنصت بكلّ أدب، وأفتح عقلي بكل حبّ، فيقوم هو بحشوه بمعلومات كنتُ أعتقد أنها ستغيّر حياتي.

لكنها لم تفعل، ولازلتُ أتساءل لماذا درسنا الـX و الـY في الرياضيات. فلم يسبق لي يومًا أنا قلتُ لأحدهم أحبّك إكسًا أو أنك تعني لي Y، كنت أُطيع أهلي ومُعلمي وكل عُمال المدرسة وحزتُ لقب الفتاةٌ المؤدبة لكن لم أحظَ بأي تكريم، ولم يعترض أحد طريقي ليسألني إن كنت حقًا راضية عن الحياة التي أعيشها.

خفتُ من سؤال لماذا أنا في هذا الكون، ولماذا لست شجرةً أو قنفذًا. لماذا لدي قدمان وليس لي أجنحة، استمرت الحياة على النّمط ذاته ودخلتُ الجامعة وقرأتُ تخصصًا لا يشبهني ولا بأي شكل من الأشكال، وليس له أي رابطة معي.

كنتُ أضيّع حياتي لأخذ ورقة سخيفة إلى اليوم لم أجن منها حتى ثمن فنجان قهوة، فكيف ببناء حياة مهنية وتحقيق أحلام وأهداف. استمرَت لعبةُ تضييع الحياة حتى جاء اليوم الموعود، حزنٌ غريب يُغلف روحي، ونداءٌ يطلب مني الرحيل إلى حيث لا أدري.

ليلتها سألتُ نفسي حقًا لماذا لستُ شجرة؟ وهل أنا إنسانٌ فقط لأفعل ما فعلت. كانت ليلةً كئيبةً، اختبرتُ فيها مشاعرًا لم يسبق أن عرفتُ أنّها موجودة، لحظتها كفرتُ بكل المفاهيم ونبذتُ كل الأفكار، وكان لدي أمنية واحدة.

أمنية الرحيل ومغادرة هذا العالم، أو التحول لشجرة، التفتُ يمينًا وشمالا فوجدت بشرًا مُغيبين، يستيقظون صباحًا ويغسلون وجوههم، ويشربون قهوتهم على عجل، ويذهبون إلى عمل يدفعهم صاحبه إلى الجنون كل يوم، ينظرون بسخط ويسبون هذا وذاك في أنفسهم، وإن سألهم أحدٌ ماذا حصل أو لماذا تغيرت ملامحهم يكذبون ويبتسمون، ويتمتون نحن بخير شكرآ.

وبسبب ذلك الشعور والرغبة في الاندثار والاختفاء والموت، قررت أن أنزل من القطار الذي وضعوني به ذات يوم دون أن أعرف إلى أين يتجه.

ترجلتُ منه وبكل مجازفة نزلتُ في محطة مجهولة تمامًا، ولا أعرف بأي أرض أنا، كما أجهل بأي أرض أموت.

من هناك بدأت رحلة البحث الاسطورية. فتشتُ كالمجنون في حقائب الماضي، عن كل الأشياء التي تشبهني جمعتها في مكان واحد واخترت أفضلها ليكون زادي في الرحلة القادمة.

رحلة البحث عن نفسي الحقيقية التي ستكمل معي رحلة الحياة التي اخترت أن أعيشها. توقفتُ لبرهة وتفقدتُ تلك الحُزم من الأفكار والمستندات التي حمّلني إياها والدي وجدتي وجدي والجيران وكل المتطفلين من المجتمع كل من لديه فكرة، ألقى بها في رأسي دون إذن، وجدتُها باليةً معفنة إلا بعضٌ منها كان يستحق أن أحتفظ به لرحلتي القادمة…

نجوت بعد موت مُحتم، وقمت للحياة كما يقوم الأموات بحماس ورغبة جامحة وتَوق إلى رسم واقع يعنيني ويمثلني، ويشبهني، وتجردت من كل الوصايا التي وُضعت في عقلي عنوة حين كنت طفلة.

استمرت حياتي الآن، وأعيش بمبدأ أنّ الأفكار هي الثروة الوحيدة التي يتساوى فيها كل البشر، وأدركتُ أنّ الانسان ضعيفٌ جدًا وقد يلقى حتفه من مجرّد فكرة، أدركت أنّ الانسان أعمق ما في الوجود، وإن سوّلت لك نفسك وادّعيت أنّك تعرف أحدهم حقًا فأنت شخصٌ مجنون.

إن أعجبكَ ما أصنعُ من محتوى، ولديك ما تقوله لي فلا تتردد بالتواصل معي على:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حقوق الصورة البارزة: Photo by Produtora Midtrack on Pixels

رأي واحد حول “أنتَ شخصٌ مجنون [ قصة شبه قصيرة]

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s