لحظة سرور، أخبرني عن قصتك حول هذه اللحظة في يومك

كنتُ عصر اليوم مستلقية وأنظر للسقف، ثم فجأة تذكرتُ عُمري والذي لن أخبرك عنه فلا تحاول، شعرتُ بشيء غريب ولم يكن خوفًا ولا قلقًا ولا حتى يأسًا، كان شعورًا موغلًا في الترقب.

تلفتُ يمنة ويسرة وقد كنت وحدي، حاولتُ جاهدة أن أتلمّس ملامح اللحظة، وأجلس بجانبها لنتحدث سويًا، ثم فجأة تذكرتُ كيف أننا أصبحنا نقيس العمر بالإنجازات.

الإنجازات لا تُقاس بالعمر

دخلنا المدرسة بعمر الست سنوات، ومن كانوا في مثل سني ومن قبلنا نجحنا في شهادة التعليم الابتدائي بعمر الثانية عشرة، ثم تليها شهادة المتوسط والثانوي كلها في عمر محدد، ومن تأخر… كان الله في عونه من هول نظرات المجتمع، واستهزاء الأصدقاء والأدهى من كل ذلك نظرته وتصنيفه لنفسه والقصة التي تتشكل شخوصها وحبكتها في ثنايا روحه، وليته كان البطل. فعُرف القبيلة لا يسمح لذلك بأن يحدث، فاختار دور الضحية واحترف العيش فيه.

قد يقول ذكي متحاذق، لا تتفلسفي وتعيدي نسج الأحداث وحبك الأفكار، لأنك وجدت حقيبة سنواتك خالية من الإنجاز، على رسلك يا صاح، فهناك إنجازات لم يرها أحد، لأنها لم تُصنف في قوانين المجتمع، وللأسف لم يقف أحد يوما وهو يحمل نجمة، وقال: هذه النجمة لمحمد لأنه كسب أول مبلغ من المال من جمع البلاستيك أو الحجارة أو من حمل القرميد ليشتري هدية لأمه، أو دواءً لألم ركبة والده وهو دون سن الثاني عشرة.

ولم يصفّق أحدٌ للشاب الذي غادر فيسبوك، وفتح لنفسه حسابًا على كورا وبدأ يجيب على النّاس من خبرته الصغيرة، ولم يصفق أحدٌ لتلك التي فتحت حسابًا على مواقع العمل الحر لتعمل وتعيل عائلتها في حين كانت الفتيات في سنّها تفتحن حسابات في تطبيقات المواعدة.

ولم يحمل أحد نجمة ليعلقها لرحمة لأنها حملت أخاها وغيرت له حفاضاته وجهزت له الحليب، وسكبته على ظهر يدها لتختبر حرارته قبل أن تضعه في فم أخوها الصغير وقد أصبحت أما بعمر العاشرة. وهي تشتهي كتف الأم ليحمل رأسها المتعب والمثقل بهموم الأمهات.

لم يُدعى أحمد للمنصة ليستلم وساما لأنه سهر ليلة كاملة وهو يفكر من أين سيجمع المال وكيف ليشتري لأطفاله أدوات المدرسة؟ ويأخذ صغيره الذي يقفز طول النهار يرغب برؤية الأسد والفنك في حديقة الحيوانات التي في البلدة المجاورة لأن صديقه أخذه والده وهو لا، لأنّ والده مفلس.

لم يلتفت أحد لتلك التي باتت تعانق مدامعها بكاءً على من كسر قلبها وهجرها وهي التي أسكنته في قصور أحلامها، وفرشت له رموش عينيها وهَدهَدته على راحة كفيّها فقام وكسر روحها وداس قلبها، بطلاقٍ يُرضي به أسياد القبيلة. فكان البطل واستلمت هي ميدالية الضحية.

لماذا نغفل عن إنجازات الطفل حين صبر، وقال لن أشتكي لأمي حين تنمّر عليه أصدقائه، ولا نُصفق للطفلة التي بلغت قبل أوانها واستيقظت مفجوعة ذات يوم … لا تسرح كثيرًا بتفكيرك، يحدث الكثير من المأساة خلف الكواليس، ومحكمة المجتمع لا تسمح بالاعتراف بل تعاقب عليه.

وعن تلك التي تزوجت قبل العشرين ومع العشرين عادت بطفلين لبيت أهلها، كانت طفلة وحيدة وأصبحت أما لطفلين ولازالت وحيدة، ولم يُعلمها أحد حقوق بيت الزوجية فطُلقت بحجة جهلها ولم يرحم أحد أكبادها. كل ذلك وأكثر يحدث الآن.

وأنت لماذا لم تُخبر أحدًا بإنجازاتك العظيمة التي خبّأتها لظنّك أنها سخيفة، من أخبرك بذلك؟ حين بكيت طول الليل في صمت حتى لا تُزعج أحدًا. أليست بطولة هذه؟ وأنت يا من تعيش غربة هنا وهناك وتتظاهر أنّ الجميع أهلك، حتى لا تكسر بخاطر أحد. والكثير من الإنجازات العظيمة لكنها لا تساوي مثقال ذرة في قوانين المجتمع البالية.

لحظة سرور

كنت مستاءة جدًا، لكن حين صارت الساعة التاسعة وحانت ساعة تدوين لحظات السرور التي أشكر الله عليها، غمرني شعور دافق بالامتنان لكل شيء من حولي، ولم أكتب شيئًا، عدا أنني سعيدة جدًا والحمد لله. شعرتُ بالرّضا عن كل شيء، وبدأت النعم تمرّ أمام عينيّ ونمتُ قريرة العين.

لستُ أحلم ولا أتخيّل، ولا أكذب على نفسي بل تلك هي الحقيقة التي نغفل عنها، يا إلهي كم نحن غارقين في النعم لكننا بطريقة ما نحبّ المعاناة. لا أنفي أنّ في الحياة محطات ألم، وحزن، وفقد وخذلان. لكن كل ذلك يمكن منحه مساحة دون معاناة ودون تقمّص لدور الضحية بشكل مقرف.

يمكننا الحزن واختبار الألم لكن بأناقة لأن ذلك جزء من الحياة، لحظتها أدركت أنّ الحياة سخيّة وتغدق علينا بلحظات السرور من كل حدب وصوب. لكن أتدري أين الخلل؟ الخلل في القصة.

القصة التي نرويها

قبل يومين حدث لي موقف مع صديقتي الجميلة، واختبرت الموقف بشكل عميق ومبالغ فيه، وحزنتُ وأحزنتها… لكن بعد لحظات، استشعرتُ كم أنّ الموقف لا يستحقّ كل ذلك، وهنا تبادر إلى ذهني موضوع القصة. القصة التي رواها عقلي وتفاعلتُ معها دون أن أنتبه. وهنا نظرتُ إلى القصص التي يرويها عقلي عن كل جوانب حياتي.

يا إلهي ما كل هذه الدراما، ثم قررتُ أن أعيد صياغة الحياة بشكل مختلف وأعيد حبك القصة، بنفسي دون أن أعيشها حرفيًا كما يمليها عليّ عقلي. أدعوك في هذه اللحظة أن تُعيد النظر في القصة التي تقرأها، سبق وطلبت ذلك في عدد من نشرتي، لكن لا أعرف إن كان المغزى من التمرين مفهومًا أم لا.

جعل الله حياتك مليئة بالسرور، وأشكرك لقرائتك لهذه الفضفضة، شاركني قصتك وشارك تدوينتي إن أعجبتك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حقوق الصورة البارزة: Photo by Andrea on Pixels

رأي واحد حول “لحظة سرور، أخبرني عن قصتك حول هذه اللحظة في يومك

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s