حين تجتمع العائلة يُطرح سؤال: هل من وظيفة هل من خاطب؟

يا صباح الخير!

اختفيت لأيام بسبب ظروف لكنني تفاجأت أنّ زوار مدونتي بدؤوا يتناقصون… والوضع مخيف. وتعلمتُ من ذلك أنّه في عالم الإنترنت، اختفاءك يعني نسيانك… هل تتفق معي؟

هل من وظيفة؟

حسنًا لابأس. ولنبدأ في موضوع اليوم الذي فكّرت كثيرًا أن أفرغ ما في جعبتي عنه لأتحرر. نعم وأناقش الموضوع بصوت مرتفع معك، حين تجتمع العائلة يتكرر سؤالان وطبعًا الأسئلة لا تأتي جافة بل تأتي مزيّنة بنظرة ونبرة ولنقل أنّ كل منهما أقرب للشفقة أكثر منه للاطمئنان.

سبق وتحدثت عن قصتي مع الوظيفة وكوني أحبها جدًا وأقصد العكس. لكنني لم أصرّح بذلك علانيةً ليصمت من حولي، ويوقفوا هذا السؤال السخيف الذي يقولون فيه بعيونهم: يا مسكينة أخذت الجامعة خمس سنوات من عمرك، ولم تتوظفي! وذلك صحيح… فالجامعة أخذت ما أخذت لكن لا أحد يعرف ماذا أخذت أنا من الجامعة.

لقد كان السابقون يحتقرون الرجل العاطل عن العمل، ويوجّهون لك النقد اللاذع وينقصون من رجولته بسبب ذلك. وهذا مقبول لأنّه قوّام ومطالب برعاية أهل بيته. لكن أن تصبح هذه النظرة موجهة للمرأة ومن المرأة نفسها فأعتقد أنّ في الموضوع خلل ما يا جماعة فما رأيك أنت؟

عملت قبل فترة في وظيفة من الثامنة إلى الرابعة والنصف عصرًا يعتصر قلبي مع قول عصرًا، وجرّبت شعورًا مرًا ولا أرغب أبدًا بتكراره مجددًا. كنت أعود عصرًا مستنزفة ومتعبة ولا أجد الوقت للقراءة والكتابة ولا حتى للاستمتاع بفنجان القهوة لا عصراً ولا صباحًا.

ويوم الجمعة يكون للتنظيف وغسل الملابس المكومة والركض هنا وهناك… خلف الكثير من الأشياء وعدم اللحاق بأيّ منها. والسبت لا يكفي لفعل شيء عدا الذهاب لمدرسة حفظ القرآن وشعور التقصير والتأنيب يعتصر فؤادي، لأنني فقدت الكثير من مساحة هدوئي.

وتعال أحدّثك عن شعور من نوع آخر، وهو شعور عدم الاستقرار النفسي شعور يعاكس الأنوثة شعور مثقل بالصخب والفوضى في حين الأنوثة تتطلب الهدوء والسكون والسلام…

الأم الممزقة

لا أدري إن ملأ هذا الشعور قلب زوجة أو أم كيف ستعطي أهل بيتها الأمان والاستقرار. لا أدري كيف تعطي ما تفتقده، ولأنّ المرأة مجبولة على العناية والرعاية ستقدّم وتمنح على حساب نفسها إلى أن تحترق شعوريًا وعلى كل الأصعدة. ثم يبدأ من حولها بالشكوى منها. وكيف تلام أنثى محترقة لا تمنح إلا الرماد؟

أرى الكثير من الأمهات الممزقات ممن حولي، تستيقظ فجرا لإعداد الغداء وتنظيف المنزل وتجهيز الأطفال وأخذهم إلى المربية أو الجدة ثم تذهب إلى الوظيفة ثم تعود مساءً تصرخ وتطلب بعضًا من الهدوء لكن حتى لو هدأ المكان حولها فمن سيسكت ضجيج روحها التي تأنّ وتطلب العودة إلى أصلها. تطلب العودة لأصل الأنوثة وهو الاستقرار.

لقد رأيت ذات يوم أمًا ممزقة كما سبق ووصفتها، تذهب إلى منزل أمها لتترك الأطفال هناك وتنام قليلًا… نعم هذه أمٌ تحلم بالنوم الهانئ وحسب. والغريب أنه لا أحد يعذرها ولا أحد يفهم ما تعيشه تلك المسكينة خاصة لو كانت تعمل لإعانة زوجها.

شاهدت أمس مقطعًا على انستجرام لسيدة تتحدث لهجة خليجية قالت: أتزوج في حالة واحدة فقط، في حالة إيجاد رجل لا يشعرني أنني رجل على قولها ريال. مضحك أليس كذلك؟ فصرخت الأخرى بجانبها: تشعرين أنك رجل؟ قالت نعم: لأنني أصرف على جيش وأجمع الفلس على الفلس لإدارة أمور المنزل، وأعمل كالسائق أوصل هذا وذاك…

وحدّثتني أم أخرى قالت: لقد ندمت جدًا حين تعلمت السياقة، لأن زوجي أصبح يترك لي السيارة لأخذ الأطفال إلى المدرسة صباحًا وإحضارهم مساءً وأخذهم للمسبح في نهاية الأسبوع وإلى الحديقة مساء السبت وإلى الطبيب…

وحتى لا يأخذ الموضوع أكبر حجم من هذه التدوينة، أريد أن أقول بأعلى صوتي، الوظيفة ليست وسام شرف للأنثى يا سادة… فتوقفوا عن سؤالي عن لماذا لم أتوظف؟ لأنني أكره الوظيفة لأنها تسلبني جوهري وسلامي… وأنا لا أريد أن أعيش حياة المحارب. ولا أريد أن أنام بعين واحدة خوفًا من التأخر على الدوام.

وكَوني غير موظفة لا ينقص من قيمتي شيئًا، والمجد للعمل الحر الذي أعاد لي هدوئي وسكينتي حتى وإن كان الموضوع مختلفا جدًا، إلا أنني سعيدة بالوقت الذي أمنحه لنفسي في جلستي مع الشاي ونفسي أحدّثها وأنصت لها وأسمح لها بالتخيّل والسفر إلى أماكن لجلب الحروف وجلب الشعور وحياكة قصة.

أما الموضوع الثاني فهو موضوع عميق عريق … ولن أسهب في الحديث عنه. الآن وأنا أكتب شعرت بعدم الرغبة في هذا الموضوع…

القدر بريء

مساء الخير، لأنني عدتُ في مساء اليوم لأكمل التدوينة المنتظرة لكاتبها. تمامًا كما ننتظر نصيبنا كما أقنعنا المجتمع… حتى أصبح العاطل عن عمل يقول إنه النصيب. والجميع يتعذّر بالقدر والحظ السيء والعين والحسد… وجملةٌ من الأعذار التي لا تغني ولا تسمن من جوع. والتي حملتها ذات يوم وتجولت بائسة أبحث عن حلول في الخارج.

في حين كان الحل تغيير فكرة في الداخل. وإلغاء شعور… لا تكفي هذه التدوينة لأتحدث بما في نفسي عن هذين الموضوعين. وهما يمثلان جزءًا مهما من حياة الجميع. وقبل أن أنسى أنّ المجتمع الذي يدفعك للتعذّر بالقدر، يخبرك أيضًا أنّ الله لا يعطي كل شيء. فإذا درست وتفوقت فقد نلت ما يكفيك ولا تنظر لما في يد الموظف.

كيف سوّلت لهم أنفسهم أن ينعتوا الله بالفقر بطريقة غير مباشرة. لم يصفوا يده بالمغلولة لكنهم حددوا وحجّموا عطاياه… والقائمة تطول يا صديقي ولا يسعني وصف كل ما اندسّ في عقولنا من أفكار مدمّرة، عشنا ضحيتها ردحًا من الزمن. ولهذا من أكثر الأشياء التي تبهجني وتدهشني هي الأفكار التي تفتّح مداركي حين أقرأ.

أكتب قصتك

لم يحدث أن قرأت فكرة فريدة إلا وفرحت بها، وحمدتُ الله أن جمعني بالكاتب والكتاب… وفي نفس الوقت أطمح أن أفتّح ذات الزهرة في قلب أحدهم حين يقرأ كلماتي. صدّقني قصصنا متشابهة… وقد تبكينا ذات المواقف وتؤذينا ذات القصص.

لكن إلى متى نلعب دور المأذيّ والضحية، ألسنا كُتابًا؟ إذن بالله عليك لماذا نقف متفرجين والآخرين يسردون قصصنا. وأولئك يكتبونها ونحن نمثّل الدور الذي منحوه لنا…

لا أدري ما مقدار الثورة التي نحتاجها لننفض عنّا كل تلك الأدوار التي فرضت علينا، ونسينا معه دورنا الحقيقي… نسينا لماذا نحن هنا. ونسينا أسلوبنا الفريد في التعبير واقترضنا لغتهم الرثّة وتحدثنا بها. واستعرنا عيونهم الذابلة لننظر من خلالها…

وسمحنا لهم أن يسرقوا ضحكتنا الصادقة المشعّة ويتصدّقوا علينا بضحكتهم البالية. منحناهم صفحة حياتنا ليخربشوا عليها تعويذتهم البائسة ورمينا حروفنا الصادقة ليدوسوها على قارعة الطريق.

كم مرة شعرنا أننا لسنا نحن. وذلك الوجه الذي يظهر في المرآة لا يشبهنا لكننا اخترنا الصمت والانسحاب. وعدنا إلى ذات المسرح واستلمنا الدور الذي جادوا به علينا. دور جانبي لا معنى له على الرغم من أنّ المسرح مسرحنا والقصة قصتنا… وحين صرخ الصوت الصادق من داخلنا قلنا له اصمت… فنحن لا نستطيع…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

مرحبًا مجددًا... أتعرف لماذا أحييك في كل مرة مجددًا؟ لأنني حين أتوقف عن الكتابة لسبب ما وينقطع حبل أفكاري، وأعود للكتابة وإكمال ما توقفت فيه، لا أكون نفس دليلة ولا يكون لي أي سيطرة على الفكرة لتبدأ حيث توقفت الأخرى.

وحتى حين أقرأ أجد أنّ شيئًا ما بداخلي نمى وازدهر ولم أعد نفس دليلة التي بدأت النصّ الأول. فلا تؤاخذ الفقرات غير المكتملة فأنا أرفض أن أكمّل فكرتي الناقصة بما لا يشبهها، ولا أستعير فكرة مختلفة لأكمل نقص الأولى، وإنما أتركها مبتورة لتواجه قدَرها ولا أظلمها وأحترم نقصها فهي لن تكتمل بفكرة أخرى لا تشبهها بل ستتشوّه.

أتمنى لو أكتب أكثر بهذه الطريقة، لأنني أرتاح وأكتشف نفسي أكثر وكأنّ الكلمات تصنع لي طريقًا مختلفًا لم أمش فيه يومًا تجاه نفسي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أعجبك ما تكتبه دليلة؟ قد يكون بيننا مشروع عمل ممتاز، فلا تتردد وتواصل الآن على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حقوق الصورة البارزة: Photo by Allef Vinicius on Unsplash

5 رأي حول “حين تجتمع العائلة يُطرح سؤال: هل من وظيفة هل من خاطب؟

  1. لو تعليمين يا دليلة كم بِوُدّي أن أكتب عن هذا الموضوع إنه متشعب جدا وسيلزمني تدوينات وتدوينات للكتابة عنه إن لم يكن كتابا.سأترك الأفكار حتى تختمر جيدا 😁

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s