الكتابة والزواج: مخاوف بين الحقيقة والوهم

مرحبًا مجددًا…

لطالما كنت أنظر باستغراب للفتيات اللواتي يهجرن صديقاتهنّ ما إن يتزوجن، لكن ما إن تزوجت أنا حتى هجرتُ الكتابة! طبعًا هذه مجردة مزحة فأنا لم أهجر إلا العزوبية وبعض التفاصيل… وأعود اليوم لألقي التحية على مدونتي وأشاركك صديقي بعضًا مما يختلج في صدري. وبعد مدة من الغياب أحاول العودة وكأني لم أغب ولم أهجر الكتابة يومًا.

جدول المحتويات

  1. جدول المحتويات
  2. الحنين إلى الأماكن شعور حقيقي ومؤلم
  3. الكتابة والزواج
  4. لن نبقى كما كنّا

الحنين إلى الأماكن شعور حقيقي ومؤلم

أجلس الآن في مكان غير الذي جلستُ فيه منذ بدايتي مع الكتابة والعمل الحر. شعور بالحنين يملأ كياني لكل التفاصيل التي اعتدتُ عليها، مكتبي الصغير وملمس الكرسي ووسادتي الصغيرة التي أتكأ عليها حين أكتب في كل مرة. كوب الشاي وحتى لون الملصقات التي أعلقها على الحائط أمامي… تفاصيلٌ كثيرة أفتقدها.

هل يشبه هذا الشعور شعور أهلنا في غزة ممن فقدوا بيوتهم وأماكنهم التي ألفوها؟ أم أنهم تعوّدوا على وضع الحرب والفقد وخسارة الأماكن والزوايا والأحبة… شتّان بين هذا وذاك. إنهم يعيشون ألمًا لا يمكن وصفه، لكن الفرق بيننا هو أنهم تعوّدوا على هذا الوضع مما زادهم إيمانًا وتعلقًا بالله، لكننا مازلنا نتعلق بفتات الدنيا.

تلاحظ في خطابهم قوة وجسارةً وأملًا وتفاؤلا لو وُزّع على أهل الأرض قاطبة لكفاهم، لا يمكنني تخيّل شعورهم في هذه الأيام. وكما نجهل شعورهم الحقيقي، نجهل إيمانهم الحقيقي الراسخ الذي نلمسه فقط في حديثهم وخطابهم. لا أحد يمكنه أن يتخيّل ما الذي يشعرون به في هذه اللحظة.

الكتابة والزواج

أشعر وكأنني أجهل الكتابة أو ربما أتعامل مع الأشياء بنفَس مختلف وروح مختلفة. منذ بداية شهر نوفمبر وأنا أحاول العودة للكتابة والعمل لكنني لم أستطع، ربما لكون المكان جديدًا عليّ أو ربما لتبلّد مشاعري نتيجة ما يحدث، أهرب من نفسي وأختلط بالعائلة في كل لحظة يبدأ حديثي مع نفسي، وكأنني أخشى سماع حديث ما يقبع في داخلي.

كلما دخلت غرفتي أنظر للغرفة المجاورة التي تحتضن حاسوبي وأغراضي المكتبية، ويعتريني شعور مختلط بين الخوف والتأنيب، إنه ذات الخوف الذي شعرت به قبل الزواج، شعور الخوف من اعتياد الحياة بعيدًا عن الكتابة والعمل، شعور فقدان الشغف وانطفاء الحماس، شعور الحياة الجديدة والأولويات التي تتفوق على الكتابة.

لا أحد يشعر بما أعيشه إلا كاتب فقد الكتابة فترة من الزمن ثم عاد إليها، ويعيش في صراع مع تركها وهجرها مجددًا، لا أدري إن كان خوفي من هجرها لي أم من هجري لها. في هذه اللحظة أكتب وكأنها اللحظة الأولى التي أكتب فيها منذ زمن طويل، تتدافع الكلمات في عقلي وما تلبث أن تختفي…

لعل أكثر ما دفعني للبدء هو نصيحتي التي قدمتها لنفسي حين سألني الأستاذ يونس في حواري معه على بودكاست يونس توك، ما النصيحة التي تقدمها دليلة اليوم لدليلة قبل سنوات، وكان جوابي هو: أن تكتب وتنشر دون خوف أو تردد…

وها أنا أكتب وسأنشر هذه التدوينة ولتكن الشرارة التي تذيب جليد الغياب الذي تجاوز الشهر عن كتابة المحتوى وأشهر عن المدونة.

أهتم كثيرًا للعلاقات ليس فقط على صعيد العمل والفرص بل حتى من الناحية الشخصية. ولعل من أجمل المواقف التي لن أنسَها هو ذلك الموقف الذي داهمتني فيه المخاوف من الزواج والكتابة والحياة الجديدة والكثير من الهواجس التي يزرعها المجتمع بداخلنا والتي لا أساس لها من الصحة في الغالب.

هرعتُ إلى الحبيبة الغالية الأستاذة مريم بازرعة والتي أثق في رأيها منذ أن حاورتها وعرفتُ قصتها مع الكتابة في بودكاست رحلة كاتب. وقد أرسلتُ لها رسالة بأنني أحتاج إلى الحوار معها بخصوص الزواج والكتابة ولأنها عاشت نفس التجربة وتفهم ما أرمي إليه، وما أعايشه في تلك الفترة.

كان ردها مباشرة بقبول الحديث معي وفي نفس اللحظة ولم تؤجل ذلك ليوم آخر، وفي اتصال هاتفي تحدثنا كثيرًا عن الحياة الزوجية رفقة الكتابة وكانت نصائحها قيّمة ودافئة ومريحة، ولا أنسى لها ذلك أبدًا. فقد لبّت حين كان الجميع يرى ذلك مبالغة مني أو ربما جهلًا أو لا أعرف…

مرّ على زواجي قرابة الشهر وقد عدتُ للكتابة في الوقت الذي حددته، ولم أسمح لنفسي بتأجيل ذلك لحظة واحدة خوفًا من أن تألف نفسي الحياة بدون كتابة ومن دون أن تعانق أناملي لوحة المفاتيح مرات كثيرة في اليوم والليلة.

لن نبقى كما كنّا

كنت أعتقد مخطئة أنّني سأتمتع بنفس الحرية في التصرف بوقتي بعد الزواج. لكن الواقع غير ذلك خاصة في الأيام الأولى، فاليوم ينقضي بسرعة رهيبة. ولعلّ أجمل فكرة كانت تؤنسني حين انتقلت إلى بيت الزوجية، فكرة أنني سأنتقل إلى مكان لم أعصِ الله فيه وهذه فرصة للبدء من جديد مع الله. كانت الفكرة تأسر قلبي طول الطريق.

لا أدري ولا أعرف من أين سأبدأ لأفرغ بعضًا مما يعتمل في صدري حول الاختلاف الذي شهدته نفسي في أقل من شهر أو ربما فيما يفوق الخمسة أشهر منذ أن بدأت أتجهز للانتقال إلى الحياة الجديدة. كل ما يمكنني قوله هو أنّ الكثير من الأشياء تتغيّر وتختفي إلى غير رجعة. مشاعر وعادات وحتى أفكار… نتخلى عنها رغمًا عنا.

لستُ ممن يدوّنون حياتهم بتفاصيلها اليومية، لكنني أشعر أنّ صدري مليء بالكلام، مليء بالقصص والمواقف التي أحتاج أن أرويها وأسردها. فقد تعلمتُ في هذه الأيام ما لم أتعلمه في أشهر من حياتي العادية قبل الزواج. فسبحان الذي خلق لنا هذه العلاقة ووضع شروطها لننتقل من مرحلة إلى أخرى في ظل عطاءه ولطفه.

فقد شهدتُ خيرًا وفيرًا من المحبة والمشاعر الصادقة التي تحفني من الكثيرين من حولي، ولم تكن بفضل ذكائي أو لجهد مني بل كانت فضلًا وعطاءً من الله وحده. فالحمد لله الذي اختار لي ولم يخيّرني. لا أدري كيف خُطت هذه الكلمات المبعثرة، لكنني سأنشرها على أي حال، فاسقبلها مني صديقي بصدر رحب وابق بخير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بهذه التدوينة أعلن عودتي إلى العمل الحر وكتابة المحتوى وتقديم خدماتي المعتادة، ولمن يهتم بالتعامل معي فليتواصل معي على الواتساب مباشرة من خلال الزر الأخضر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حقوق الصورة البارزة: Photo by Rafael Leão on Unsplash

12 رأي حول “الكتابة والزواج: مخاوف بين الحقيقة والوهم

  1. مُبارك دليلة الغالية
    أسأل الله أن تكون بداية خير، وأن يبارك الله في بيتكم ليكون عامراً بالحب والود، مُنتجاً أسرة طيبة بأبناء أسوياء ذاكرين لله🫶🏽💕

    حفظكم الله وسدد خطاكم وبارك لكما وعليكما✨

    Liked by 1 person

  2. سُعدت بزواجكِ كما لو كانت أختي مَن تزوجت 😊 (بل أنكِ أختي فعلًا 😄)
    لن أُطيل الكلام، لكن أودّ تشجيعك على الاستمرار؛ بتذكيرك أنني لم أصبح كاتب محتوى لا يُشق له غبار إلا بعد الزواج 😋

    إعجاب

  3. مبارك لكِ الحياة الجديدة يا جميلتي 🌹
    جعلها الله لكِ خيراً وعوضاً عن ما فاتك، ورزقكِ سعادة الدارين
    ومبارك لنا عودتك للكتابة ♥️

    إعجاب

  4. مبارك لك العزيزة دليلة، تضيف المراحل الجديدة لنا أكثر مما نتخيل، ومثلما اعتدت المساحة القديمة ستعتادين المساحة الجديدة ،وربما ستتساءلين كيف كنت تكتبين من قبل!!
    أتمنى لك التوفيق ونحن سعداء بعودتك

    إعجاب

أضف تعليق