كيف ينظر المجتمع للمرأة الكاتبة والماكثة في البيت؟

أعرف أنّ الكتابة لو اجتمعت معي في إحدى التجمعات العائلية لأعلنت براءتها مني بأعلى صوتها. ولصرخت قائلةً كفّي عن ربط اسمي باسمك جِدي لنفسك مسمّى آخر. طبعًا لن يكون بإمكاني النقاش بل سأصمت حتى لا أزيد الطين بلّة بنقاش لا يسع المكان تحمّله.

لا تسألني لماذا قد تتبرء الكتابة مني، لكن هذا هو شعوري حيال الكتابة هذه الفترة. أحاول استرجاع إنتاجيتي وأقصد هنا المدونة وحسابي على X لأن الكتابة للعملاء نشطة ولله الحمد والمنة. ففكرتُ في كتابة تدوينة شخصية أكثر لأننا حين يتعلق الأمر بالحديث عما نعيشه تتدفق الكلمات بسلاسة.

المقال الذي استعنت به لإيجاد فكرة التدوينة.

لعلّ من أكثر النصائح التي وجهها لي الأستاذ يونس في بداية اشتراكي في رديف هي أن أكتب وأقدّم محتوى مجاني قدر المستطاع. وكما ترى أنا الآن استعنتُ بمقالي لأجد فكرة، لذلك قدّم أنت أيضًا محتوى مجاني أكثر حسب نوع المحتوى الذي تبرع فيه، ليس بالضرورة أن يكون نصيًا أو مقالات على وجه التحديد.

لستُ بالكاتبة المميزة ولا الأسطورية لتستمع إلى كلامي وتأخذه على محمل الجدّ، لكن لو كنت محلّك لكنتُ أخذتُ بها ولا تسألني لماذا. صحيح أنني أحلم بأن أكون تلك الكاتبة الرائعة التي يقرأ لها أحدهم ثم فجأة يتوقف عن ارتشاف شايه وينظر إلى من حوله قائلًا: مهلًا، مهلًا… فكرة خارقة، أنصتوا ماذا قالت دليلة…

فيندهش الجميع من الحكمة المتدفقة من حروفي، ويتمتم البعض بينه وبين نفسه قائلًا بهمس: مجرد سخافات… تظن نفسها جبران خليل جبران. أعرف أنه يخلط بين جبران والرافعي حتى أنّه يظنّ أنّ مؤلف مجدولين هو جبران، لكن لا تردّوا عليه، فأمثاله كُثر… تمامًا مثل ذلك الذي يظن أنّ دوستوفيسكي عطر.

بين ربة البيت الكاتبة والموظفة

مرّت فترة لا بأس بها حين دار حديثٌ بيني وبين موظفة وأظنها كانت مهندسة، حين سألتني عن ظيفتي فرددتُ عليها: أنا أعمل فريلانسر. أظن أنّ حاجبها ارتفع قليلًا وردّت قائلةً: لم أفهم. فأجبتها مجددًا بقليل من التفصيل: أعمل على الإنترنت بشكل حر. فردّت بلهجة ترتدي ثوب الاستغراب: لم أسمع بها.

وفي كل مرة يأتي سؤال ماذا تعملين وهل أنت موظفة، أشعر وكأنني رجلٌ وواجب عليّ الوظيفة. ودائمًا أجيب بفخر أنني أعمل من المنزل بصفة كاتبة مستقلة. ولا أركض كل يوم صباحًا حتى أصل إلى العمل في الموعد، ولستُ مضطرة للعودة مساءً منهكة ومستنزفة، وبدل أن أحقق وظيفتي وأكون السّكن، أُسكت الجميع.

ليس لديّ مشكلة مع المرأة الموظفة، لكن مشكلتي مع الموظفة التي تستهجن الكتابة وتظن أنها مراهقات، وكأنني أكتب شعرًا لابن الجيران العاطل عن العمل، الذي يَعدّ كل يوم حبات البطاطس والبرتقال التي تشتريها الخالة زليخة من البقالة كل عصر وهي عائدةٌ إلى المنزل، وهو يراقب وجوه المارّة وكأنه سيرسمهم.

هل الكتابة على الإنترنت عمل؟

بعيدًا عن أولئك الذين لا يزالون يشاهدون التلفاز لساعات طويلة، ويعتقدون أنّ الإنترنت مجرد فيسبوك ودردشات فارغة، الكتابة عمل وعملٌ رائع. فأنا أكتب هذه التدوينة قبل أن يحين موعد قهوة العصر لتجتمع العائلة. أكتب وأنا مستمتعة وأذهب إلى بقية أعمالي المنزلية وأنا متحمسة أيضًا.

لا أخفيك أنني أتمرّد أحيانًا وأتعب وأبتعد وأهرب… لكنني في كل مرة أعود مهزومة أمام الكتابة، حتى وإن كانت تظنني أتسلّط عليها. ستقبل بي في النهاية وسنكون أصدقاء رائعين ونعيش سويًا بسلام، تمامًا كما يحدث في نهاية أفلام الكرتون.

وقبل أن أكرر ما قلتُ سابقًا، أدعوك إلى الكتابة والتدوين حتى لو لم يكن عملك، لأنك ستكون بخير، ولن تشيخ مبكرًا، وستكون مختلفًا عن غيرك أيضًا… صدّقني لن يشبهك أحدٌ حين تكتب على الإنترنت، ستكون نسخةً منك فقط، لن تكون مستنسخًا ولن يقلّدك أحد.

اصنع لك مدونة واكتب

يعيش الإنسان وهو يفكر بالأثر الذي سيتركه، هل تظنّ أنّ أولئك الذين ينتحرون ينتحرون عبثًا. كلًا، هم يعانون مع سؤال الأثر الذي يراودهم ويقضّ مضجعهم. يظنون أنهم لم يتركوا شيء، فيتهورون ويقتلون أنفسهم فيكون ذلك أثرهم إلى يوم الدين. يا للعجب!

هل تريدينني أن أنتحر. معاذ الله يا عزيزي، لم أقل ذلك، لكن أردتُ أن أخبرك أنّ الأثر الذي تبحث عنه وتودّ أن تتركه لأحفادك وأصدقاءك وأحبابك هو مدونة. لم أدخل إلى مدونة يومًا وخرجت بقراءة مقال واحد. لم أفعل لأنني أحفر تحت الركام لأعرف كيف دخل صاحبها التدوين، ربما يكون قد تزوج بجنّية الإلهام فأصبح يكتب بغزارة.

وآخر مدونة زرتها هي مدونة المبدع محمد جواد، حين رأيتُ أنه فاز بجائزة مرجع التدوين لسنة 2023، وكانت مدونته هي الأفضل وفتشتُ بين تدويناته حتى قرأت تدوينة أما زلت مترددًا من التدوين؟ فلنصفق له جميعًا.

تغريدة مرجع التدوين.

مختصر القول

إذا كنت لا تريد أن تترك أثرًا فأنت حر. لكن تخيّل معي، أنّ حفيدك حين يكبر ماذا سيفعل؟ هل سيكون فخورًا بحسابك الجاف على فيسبوك؟ أم تريده أن يدخل مدونتك ويغرق في القراءة وشعور الفخر يغمره. تخيّل لو كنت حفيد الرافعي؟ أراهن أنك ستكون سعيدًا وفخورًا جدًا.

دعك من الرافعي، تخيّل لو كنت حفيد مريم بازرعة، أو طارق الموصللي، أو بثينة اليوسف، أو يونس بن عمارة، أو نادية ميرة، أو محمود عبدربه، هادي الأحمد… والقائمة تطول يا عزيزي. لكن نكتفي بهذا القدر اليوم وأراك في يوم آخر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حقوق الصورة البارزة: Photo by Aaron Burden on Unsplash

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن أعجبك ما أكتب في مدونتي؟ فلا تتردد ودعنا نكتب في مدونتك أو موقعك أو في الفضاء إن شئت… أطلب خدماتي الآن ولا تقلق فتكلفة تذكرة الفضاء عليّ. تواصل على واتساب

3 رأي حول “كيف ينظر المجتمع للمرأة الكاتبة والماكثة في البيت؟

  1. شكرا أختي دليلة على هذه الكلمات الاكثر من رائعة، أشعر أنها نابعة من القلب،بالنسبة لي الكتابة أصبحت جزء لا يتجزأ من من حياتي حتى لو كانت حبر على ورق دون أن ينشر في مدونتي، يكفيني انني اشعر وانا حاملة قلما وكراسا بالسعادة.

    إعجاب

أضف تعليق