يا أهلًا برفاق الحمام الزاجل…🕊️💜
أرحب بك في عالمي اللطيف بعد غياب، أعرف أنّ الغيابات تكررت كثيرًا، ولو كان للنشرات معلمًا لكان المعلّم طردني بلا رجعة، وأراق ماء وجهي على مرأى الجميع. لكننا أصدقاء، أليس كذلك؟ ولا شك ستتجاوز عن غيابي الكثير.
إذا انضممت مؤخرًا إلى “الحمام الزاجل” فأدعوك لمطالعة الأعداد السابقة على منصة هدهد، وأرحب بك بكل حب وأدعوك إلى الارتحال معي في عالمي الفريد. وهيا بنا إلى عددٍ جديد…🤍🕊️
المرض في شكلٍ من أشكال المقاومة
لم يتبقّ إلاّ دقائق معدودة وتدق عقارب الساعة معلنةً منتصف الليل، من المفترض أن أكون في الحلم السابع، أي نائمة، لكنني لم أفعل لسببين:
- السبب الأول: عقلي معلق على عقارب الساعة منذ صباح اليوم (الخميس) وكل خلايا جسمي تعرف أنّ هناك مسودة في حاسوبي غير مكتملة يجب أن تكتمل غدا صباحا كأقصى تقدير لأنه علي إرسالها عصر الجمعة، وهذا سببٌ كاف يجعلني أنتظر نوم الجميع لأفكر في حل لتلك المسودة.
ماذا لو أحذفها وأختفي كليًا؟ لا عفاف ستدري أين أنا، ولا الأستاذ طارق يستطيع الوصول إليّ، وننسى جميعا أنّ هناك شيء اسمه الحمام الزاجل. أيرضيك هذا؟🥲

لكن شيء أعمق من هذا الخوف والتردد يقول لي أنه يجب أن أترك تلك المسودة جانبًا، وأكتب دون قيود كما اتفقتُ مع عفاف في جلسة حل مشكلة الانقطاع عن الكتابة، أي تماما كما كتبتُ من قبل، وأترك تلك المسودة لوقت لاحق حتى يأتي نصيبها من التحرير والنشر.
- أما السبب الثاني: فهو حالتي الصحية، كنت بأفضل حال صباحا، ولكن بعد الظهيرة بدأت بوادر الزكام تتسلل ببطئ إلى كياني، وصارت الحمى تمسح على رأسي بكف من نار. وآلام تباغت حلقي… وهلم جرا. هل هو المرض حقا، أم أنّ قصة المرض كلها محض مقاومة؟
كما يقول ستيفن بريسفيلد في كتابه حرب الفن، فيما معناه أنّ: “المرض أحيانًا ليس سوى شكل من أشكال المقاومة، طريقة اللاوعي للانسحاب من المعركة” ومعركتي هنا هي الكتابة. تخيّل أنّنا حين نقرر أن نكتب أو نرسم أو نتعلم أي شيء مفيد، يبدأ الجسد بالمقاومة. لكن كيف؟
هو يعرف جيدًا كيف يفعل ذلك، تظهر المقاومة في شكل مرض، أو تعب، أو أرق، أو ربما حتى صداع خفيف… يجعلنا نتملص مما علينا فعله. تتساءل لماذا المقاومة لا تأتي حين نضيع الوقت على الريلز، وتسحبنا إلى شيء أهم؟
طبعًا، المقاومة ليست غبية، فهي تظهر فقط حين يتعلق الأمر بشيء علينا فعله، وسينفعنا أداءه حتى لو كانت فائدة على المدى البعيد. باختصار يا صديقي، المقاومة تظهر وتزداد حدة كلما زادت أهمية العمل الذي علينا تأديته. أي أنّ ما خُلقنا لأجله، هو أكثر ما نقاومه بشدّة.
جميعنا نقاوم المقاومة (المرض، التعب، النقد، حسد الآخرين، تطفل الحمقى، المماطلة، الخوف…) في جميع أشكالها يوميًا، ولابد أن نعرف أنّ أي فعل منضبط ومستمر بشأنه تدمير المقاومة واستئصالها من جذورها، لكنها قوية ولا تملّ. لذا اعلم أنّ أي شيء تشعر تجاهه بالخوف، فذلك علامة على أهميته، وعليك فعله.
أنا حقا لا أدري السبب الحقيقي لبقائي مستيقظة إلى الآن. لقد سبق وكتبت أعدادًا كثيرة من الحمام الزاجل بعد منتصف الليل، وكانت أعدادًا جيدة بشهادة عشاق الحمام الزاجل، لكن الزمن تغير، أليس كذلك؟ هل سيكون هذا العدد مميزا أيضًا؟ أخبرني في التعليقات (وإن لم تفعل، فاعلم أنّ المقاومة منعتك😅)ولا تقلق لن أحزن إن قلتَ أنّه عددٌ رديء😁
الكتابة والأمومة
خطرت لي فكرة لقاء الكتابة والأمومة قبل ميلاد ياسين حتى، فكرتُ حينها أن أتطفل على حياة الأمهات الكاتبات بطريقة لبقة، وأرسل لهن ببعض الأسئلة ليُجبن عليها بمحض إرادتهن ليمنحنني فرصةً للتطفل الحميد، وبالفعل قبلَت بعض الأمهات، ومنحننيَ الكثير من التفاصيل التي أحتاجها، ولا أريد لفكرتي أن تموت.
فإن كنتِ أما وكاتبة، أو لديك زميلة أو صديقة أو أخت… أم وكاتبة، فأرجوا منك جعلها تتواصل معي أو تترك لي حسابها لأتواصل معها.
نحتاج إلى قصة كل أم مع الكتابة، فنحن اليوم بحاجة إلى قصص حقيقية بعيدة عن الكمال والذكاء الاصطناعي والواقع الرقمي المزيف.
سئِمنا من تلك الروتينات المليئة بالزيف سواءً مع الأولاد، أو الأزواج أو حتى روتينات الطبخ والتنظيف، وحتى روتينات الكتابة😅 لن يُظهر أحدٌ حقيقة ضعفه ومشاكله للعامة، وإنما يُظهر فقط ما يجعله مثالي في أعين المتابعين. نحتاج شيئًا حقيقيًا يحترم إنسانيتنا وضعفنا.
الكتابة ما تأكّل عِيش 🥖🍞
تُصيبني هذه الجملة بالغثيان، وأتمنى لو تُنزع الكتابة من قائلها ليُحرم من نعيم الكتابة، وحينها يأكل العيش ويرحمنا من صوته ورأيه.
ظهرت لي هذه العبارة المزعجة في إحدى الريلز على يوتيوب، وكان الفيديو عبارة عن مقتطف من حلقة بودكاست، وقالت القائلة: أن الكتابة ما تأكّل عِيش، وأنّها كاتبة وناشرة وتخبرنا حقيقة الكتابة. للأمانة لم أتابع بقية الحلقة، فقط أردّ على تلك الجملة الشهيرة، وربما أتابع الحلقة لاحقا، لا أدري!
عفوًا، من أنتِ لتعطي هذا التصريح؟ أنا كاتبة وأكتب لأضبط تفكيري، وأشارك أفكاري، وأفكر بصوت مرتفع، وأعالج عقدي النفسية … من تحدّث عن أكل العيش، وهل نحن في هذه الحياة لنأكل العيش فقط؟
بالمناسبة هذه الجملة تستفزني، لأنها تسيء للكتابة وتحشرها في قالب ضيق، وتستنقص من معناها الجوهري.
الكتابة مو بس تأكّلك عِيش، وإنما تلبسك الذهب. إذا أنت لديك العقلية المناسبة، بمعنى آخر، الفنانون الحقيقيون لا يتضورون جوعًا، سواء كانوا كُتابا أو رسامين… أي أنّ الكاتب الجائع هو الذي ينطبق عليه الكتابة ما تأكل عِيش، أما الكاتب المحترف فهو الذي تلبسه الكتابة ذهبًا.

باختصار، الكتابة بريئة من هذا وذاك، والأمر يعود لتفكير وعقلية وذكاء الفنان نفسه. والكتابة فن كغيرها من الفنون، وليس لها علاقة بالفقر والجوع، حتى ارتبطت بأكل العيش. وقد سبق وتحدثنا عن هذا الموضوع في بودكاست رحلة كاتب بعنوان المال والكاتب، وكيف يتصالحان.
وكما يقول الكاتب جيف غوينز في كتابة “الفنانون الحقيقيون لا يجوعون” والذي يعالج فيه وينسف فكرة “الفنان جائع” من أصلها، أنّ:
- “الفنان الجائع يظن أن الشغف وحده يكفي، لكنه ينسى أن الفن مهنة تحتاج إلى ممارسة وانضباط وتسويق ذكي”.
أي أنّ الفنان (الكاتب) الجائع هو الذي يرى أنّ فنّه هو سبب جوعه، دون أن يبحث عن حلول. بينما الفنان المحترف هو الذي لا ينتظر الإلهام ولا يعتمد فقط على مزاجه، بل يبني نظامًا يعمل حتى في غياب الإلهام وسوء المزاج، والفنان المحترف والحقيقي لا يعمل في معزل عن الناس، بل يبني شبكة علاقات متينة حول عمله.
كخلاصة: قد نقف أحيانًا نحن الكُتاب أمام مشاكل مالية، أو ربما لا نحقق الحرية المالية التي نطمح إليها من خلال الكتابة، لكن هذا لا يعني أنّ المشكلة في الكتابة، بل المشكلة في علاقتنا مع التسويق والبيع، وبقية المهارات كالتواصل والتفاوض…
فإذا كنت تعاني مع مشكلة التكسّب من الكتابة، فأدعوك للاشتراك في رديف والحصول على دورة التكسّب من الكتابة للكاتبة جين فريدمان، والتي شرحها الأستاذ يونس بالتفصيل، وهي متاحة لجميع مشتركي رديف مجانًا. اشترك وتواصل معي، وسأدلّك عليها بإذن الله.
خيّروني بين الأمومة والطموح فماذا أختار؟
حين بدأتُ الكتابة على الإنترنت كفرت بالوظيفة التقليدية (دوام من 8:00_16:00)، وذلك حين كنت بمفردي، فكيف وأنا الآن لدي مسؤولية وحياة زوجية ورضيع (حفظه الله ورعاه).
أعطاني العمل الحر الوقت لرعاية عائلتي، وفي نفس الوقت تحقيق طموحي وشغفي، حتى لو كانت الكتابة لا تدرّ علي تلك المبالغ الكبيرة، إلا أنني أؤمن أن الخطأ ليس في الكتابة وإنما لتغير فصول حياتي، فأنا في فصل يتطلب الهدوء والبطء والعمل القليل والالتزام بأمور أخرى، هي الأهم في هذا الفصل، دون تحميل نفسي فوق طاقتها أو التقصير في حق عائلتي.
سبق وكتبتُ تدوينة حول الوظيفة، وما تفعله الدوامات (أقصد جمع دوام، وليس دوّامة🫣) في الأنثى، خاصة إذا كانت أمًا، فتربية طفل لوحدها تعدّ من أكثر الأعمال مشقة وصعوبة، دونا عن مسؤوليات البيت الأخرى. قد تسألني: الكثير من الأمهات يعملن في الخارج ويربين أطفالهنّ، وهنّ بخير. فلا تبالغي؟
أعرف أنّ حياتهنّ تسير على ما يرام من الخارج، لكن لا أظن أنّ الأمر ذاته ينطبق على داخلهنّ، خاصة حين يدخل الطفل إلى الحضانة، وتنظر إليه أمه بحسرة، متسائلة: كيف كبرت بهذه السرعة؟ تنطوي هذه العبارة على حزن دفين، للحديث بقية إن شاء الله.
مهلًا، لم تجيبي على السؤال: أمومتك أم طموحك؟ اخترتُ الاثنين.
احترم فصول حياتك
لم أتقبل التغيير الذي حصل في حياتي بسهولة، لذلك أضعت الكثير من الوقت للتأقلم مع الوضع الجديد، ولا ألومك إن عشت نفس المرحلة، لأن الأمر ليس سهلا مهما ادعى من حولك أنه سهل، وحتى لو كان سهلا، الشخصيات تختلف و الظروف تختلف، لذا ليس بالضرورة أن تكون مثل أحد.
إذا كنت تمر بأي اختلاف في حياتك فأرجوك تمهل وعش كل التغييرات كما هي، دون أن تظطر نفسك لتجازها بسرعة، فأنت لست مطاردًا من أحد، ولست مطالبًا بإثبات أي شيء لأي أحد.
كل شيء يحتاج إلى وقت كاف… إذًا خذ وقتك واستوعب فصول حياتك دون مقارنتها مع فصول الآخرين، فليس من الحكمة أبدا مقارنة فصل البذر لديك بفصول الحصاد لدى الآخرين، لكن حين نقول خذ وقتك، لا يعني أن تركد في مكانك لسنوات، احذر من أن تألف منطقة راحتك، لأنها قاتلة يا صديقي ولن ترحمك. لكن سدد وقارب…
وأخيرًا، وصلنا إلى نهاية العدد. أشكرك لأنك انتظرت العدد، لقد كتبتُه من أجلك بكل حب، وأسأل الله أن يوفقني لأراك وأكتب من أجلك في أيام قادمة.
لديك سؤال أو استفسار، أو تريدني أن أكتب نشرتك البريدية؟ تواصل معي مباشرة على تلجرام.
حقوق الصورة البارزة: الصورة من تصميم الذكاء الاصطناعي.
اكتشاف المزيد من مدوّنة دليلة رقاي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
شكرا على هذا العدد الجميل نعم احترم فصول حياتك
لكل لحظة ولكل وقت له وقته والعمل الحقيقي له فصول يوم تثمر ويوم لتنضج ويوم لتزرع فيه عامل اعمالك بحكمة وانتظام لا استعجال فيه عوداً حميداً استاذة دليلة
إعجابLiked by 1 person
ما خُلقنا لأجله، هو أكثر ما نقاومه بشدّة<< سهم أصاب إدراكي
شكرا لكِ
إعجابإعجاب