كيف كانت حياتي قبل امتلاك مدونة شخصية؟

مساء الأجواء المشمسة اللطيفة…

أجلس الآن على التراب، وأستشعر سكون المكان، سكونٌ يزرع في نفس الإنسان القلقة السكينة والطمأنينة، كيف لإنسان خُلق من هذا التراب الهيّن اللين أن يكون قاسيًا وكأن أصله صخر…

دعنا من قسوة الإنسان، وكيف سرقت المدنية الحديثة طبعه، فأصبح غريبًا عن أصله ومنبته، ودعني أصف لك حالة ذلك الطفل الرضيع الذي لم يكفّ عن الضحك والركض على التراب منذ خرجنا من البيت…

حتى لو كانت خطواته غير ثابتة، ويقع بعد أقل من عشر خطوات بسبب عدم استواء الأرض… إلا أنه لا يتوقف ويرفض أن نحمله رفضًا قاطعًا، لندع ياسين يركل كرته ويركض ويملأ الجو ضحكات … وتعال لنتحدث عن الحياة دون مدونة.

جدول المحتويات

  1. جدول المحتويات
  2. لا وجود للأرشيف
  3. تموت القصص في عقلك
  4. الوقت يمضي بسرعة
  5. الندم والحسرة
  6. خسارة اهتمام من حولك

لا وجود للأرشيف

تخرجتُ سنة 2017 لكن لم أكتب يومها احتفالا بهذا اليوم، ولم أحتفظ بأي تفاصيل. خاصة أنني لست من هواة التصوير ونشر الصور والفيديوهات… ولو كان لي مدونة حينها لوثّقت ذلك في مدونتي، كما فعلتُ حين أخذت دورة كتابة تجربة المستخدم وتخرجت منها بامتياز.

ولا وجود للحظات التي ندوّنها ونبتغي من وراءها الاحتفاظ بالقصة، ونشر النّفع ومشاركة التجربة مع الآخرين. أنا حقًا أفقد أجزاءً كثيرة من ذكرياتي يومًا بعد يومًا. ليس لأن النسيان شيءٌ سيّء، بل هو جيّد وهو رحمةٌ لذاكرتنا المثقلة وعقولنا المرهقة.

لذلك أنا لا ألوم النسيان، وإنما أخبرك أننا ننسى حقًا مع الوقت. ونحتاج إلى تدوين بعضٍ من ذكرياتنا وتجاربنا، ليس فقط لنشر المنفعة والعبرة، بل لأننا نستحق الاحتفاظ ببعضٍ من مخزون الذاكرة في مكانٍ ما، لنريحها من ناحية ومن ناحيةٍ أخرى نحتفظ بنسخة احتياطية.

باختصار، نحن بحاجة إلى الكتابة في مكانٍ آمن مثل: مدونة شخصية.

تموت القصص في عقلك

كان لديّ الكثير من القصص والأفكار الخلّاقة والفريدة… والتي من شأنها تغيير عالمي الخاص، وليس العالم طبعًا، لكنها ماتت في عقلي فقط، لم يطّلع عليها أحد، ولم أستفد منها لا أنا ولا غيري. لكنها ماتت واندثرت بسبب الاهمال، والتأجيل، والتسويف.

لكن لو كان لي مدونة شخصية في ذلك الوقت، لكنت كتبتُ أفكاري هناك ونشرتها، ولم أسمح لها بالموت والاختفاء. قد تقول لي: لماذا لا ندوّنها في ملفات جوجل، أو على الورق، أو حتى على الحائط… أنت محقٌ في ذلك. لكن مع الهاتف الذكي، والواقع الرقمي… أصبح لابدّ من الكتابة والنشر.

الوقت يمضي بسرعة

وما دخلُ الوقت يا عبقرية؟ منذ أطلقت مدونتي ونشرتي البريدية، أصبحتُ أرى تطوري بوضوح. وأصبحتُ أكثر وعيًا بالأشياء التي أفعلها. حين ألتفتُ إلى الوراء، أصبحتُ أرى بوضوح ماذا فعلت في آخر أربع سنوات، وأستطيع إحصاء نجاحاتي وإخفاقاتي، ويمكنني لمس ما تعلمته خلال هذه الفترة، في حين أنني نسيتُ أغلب الأيام التي سبقت تأسيسي للمدونة.

سيحثك وجود مدونة على كتابة التجارب التي تستحق التدوين، وتدفعك لمناقشة الأفكار التي تراها مهمة، وتشاركها مع العالم الذي يشبهك. لكن عدم وجود مدونة سيجعلك تؤجل تدوين كل أحداث حياتك المهمة إلى أجلٍ غير مسمى، إلى أن أنشئ مدونة، إلى أن أبدأ في تأليف كتابي…

الندم والحسرة

كانت بدايتي في التدوين على منصة رقيم رحمها الله، وغفر للقائمين عليها. وما إن أتذكّر خواطري وتدويناتي وحتى أصدقائي هناك، أشعر بحسرة وندمٍ شديدين. إنه لمن الظلم أن يُعامل كاتبٌ متحمّس مثلي، ولا يعرف طريقًا إلى إنشاء مدونته الشخصية بهذه الطريقة البشعة.

وأقصد أن يستيقظ يومًا فلا يجد محاولاته الصغيرة موجودة. لقد بدأتُ التدوين هناك بصعوبة، لم أكن واثقةً أبدًا من أنني أستطيع الكتابة والنشر، وأن يصبح لدي جمهور… لكن ما إن حققتُ ذلك، حتى اختفى الموقع. تخيّل لو أنني أنشأتُ مدونة منذ سنة 2017؟ طبعًا، لن أكون نفس الشخص، الذي أنا عليه اليوم.

أعرف أنّ هذا قدر الله، ولا أعترض عليه. لكنني أخاف عليك أن تواجه المصير نفسه، وأريدك أن تنشئ مدونة شخصية، ولا مانع من الكتابة على منصات الآخرين كتجربة إضافية. بالمناسبة، لقد خسرتُ حسابي الأول على رقيم، بسبب فقداني لكلمة المرور ولم أستطع استرجاعها، فتخليتُ على الحساب، وفتحتُ آخر ولكنه واجه المصير نفسه.

خسارة اهتمام من حولك

لا أقصد من حولك الذين تظنهم أصدقاءك أو أهلك، لأنهم في الغالب لن يهتموا لأمر مدونتك. بل سيلتفتُ إليك الكثير ممن يشاركونك نفس الأفكار، ونفس الاهتمامات، ومن يرون أنّ حروفك تستحقّ الانتشار… وغالبًا سيكونون غرباء كليًا عنك، وهذا ما وجدته فعلًا.

لأن أغلب قُراء مدونتي هم أشخاص تعرفتُ إليهم بعد إطلاق المدونة. أما الذين أعرفهم فيعاملون إنشائي لمدونة مثل نشر أي منشور عابر على فيسبوك، أو غيرها من المنصات التي تعامل منشورك غالبًا بالتجاهل، ويستمر الجميع بتمرير الشاشة كأنك لم تنشر مقالًا، ولم تنشئ مدونة.

أي أنّ إنشاء مدونة سيفلتر علاقاتك، وستكتشف الكثير ممن لا يروقهم تميّزك. سيكون صعبًا عليهم الاعتراف بك. لكن لا تحزن، لأن “زمّار الحي لا يُطرب” بمعنى: لن تُعجب أهل بيئتك، ولن تجد الدعم منهم. لم يسبق لي كتابة تدوينة ونشرها في الليل، وصفق لي أحدُ الأصدقاء أو الأهل في الصباح. مع أنّ الجميع يرون المنشور.

لكنهم يمرّون عليه مرور الصمّ البكم، في حين تتلقى الإطراء والمديح من أشخاص غرباء، ولم يسبق لهم رؤيتك. أعرف أنّ أهلي وجيراني لا يملكون مدونات، لكنهم يستطيعون التفاعل على بقية المنصات، ويدعمونك بطرقٍ مختلفة. جميع من أعجبوا بتدوينتي أشخاصٌ ليسوا من أهلي ولا جيراني، بل هم رفقاء الرحلة الذين أعتزّ بمعرفتهم، وأسعد بوجودهم.

لقطة شاشة من مدونتي.

لا أشتاق أبدًا لحياتي قبل مدونتي، مهما كانت ممتعة. غيّر قرار إنشاء مدونة شخصية حياتي من جذورها وأصبح لها معنى آخر، حتى ولو هجرت مدونتي ولم أنشر إلا مقالًا واحدًا في السنة، سيظل ذلك أفضل من حياتي دون مدونة.


لا تتردد في الاشتراك في مدونتي ليصلك كل جديد، وإذا كنتَ مهتمًا بإنشاء مدونة والبدء في النشر عليها، فأظهر اهتمامك وترقب تدويناتي القادمة، ولأي استفسار أو سؤال تواصل معي على تلجرام:


حقوق الصورة البارزة: Photo by Nadiia Ganzhyi on Unsplash


اكتشاف المزيد من مدوّنة دليلة رقاي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

3 رأي حول “كيف كانت حياتي قبل امتلاك مدونة شخصية؟

  1. فلتعلمي أولًا أختي أم ياسين: لم أتلقى تنبيهًا على الإشارة لصفحة (أفضل قرار في حياتي)؛ سَعدت جدًا حين صادفتها اليوم أثناء القراءة. 🙏

    كانت الافتتاحية موفّقة للغاية 😸: ففيها إثبات على صحة كلامك عن ضياع الذكريات دون تدوين، إضافة لكسرها -في حد ذاتها- القالب المتعارف للتدوينات التعريفية.

    وبذِكر رقيم، أنا متردد -منذ أيام- حيال أين أنشر أفكاري عدا في مدونتي؛ تظهر منصات كتابة وتختفي، إلا أن مدوناتنا تبقى. 🤗

    لم أشرب قهوتي بعد😅 ، لذا يبدو حديثي مُبعثرًا .. لكنني لم أُرد تأجيل التعليق؛ فقد يموت المرء على حين غرّة. صحيح؟ 😋

    Liked by 1 person

    1. وجود مدونة يجعلنا نحتفظ بذكريات اليوم الذي كتبنا فيه، كأن تقول: كتبت هذا المقال حين زرت ذلك المكان.

      فأنا مثلًا كتبت هذه التدوينة خارج المنزل، وفي مكان زرته قبل أن ينوّر ياسين حياتي، وعدتُ إليه المرة الأولى رفقة ياسين.

      أظنك فهمت قصدي!

      أما بالنسبة لمنصات الكتابة فأصبحت أخاف من تكرار تجربة رقيم، مع أنّ تدويناتي هناك لا تتجاوز 80 تدوينة، إلا أنها كانت أولى محاولاتي.

      يسعدني أنك تصفحت مدونتي قبل قهوتك.

      طلب يومك🕊️

      Liked by 1 person

اترك رداً على دليلة رقاي إلغاء الرد