مساء الكتابة…
أكتُب هذا المقال لأناقش هذه النصيحة علنًا. تحدثتُ في مقال آخر أنني لا أكتب أحيانًا ولا أستمرّ لأنني في أعماقي غير مؤمنة بأهمية ما أفعله. لكن حين يكون هناك سبب حقيقي خلف ممارسة فعل الكتابة أجد نفسي أكتب وبحماس.
وقد شاركت ذلك في آخر عدد من نشرتي البريدية. لكن هناك مشكلة ما تواجهني هذه الأيام. هناك الكثير لأفعله وأنا أعرف أنّه عليّ فعله، لكنني لا أفعل. ومنذ يومين وأنا أؤجل أشياء ليس عليّ أبدًا تأجيلها أبدًا.
لا تفكّر بأحد عدا الكتابة في الصباح
أرغب وبشدة في أن أكون من أولئك الذين يكتبون بشكل مستمر. وكم أودّ لو أطبّق مقولة: لا تقابل أحدًا في الصباح. إلى: لا تحدّث أحدًا في الصباح ولا تحمل هاتفًا في الصباح… ولا تفكّر بأحد عدا الكتابة في الصباح. ماذا سيحدث لو أفعل ذلك حقًا؟ ماذا سيحدث بعد سنة كاملة من فعل ذلك؟ أين سأكون وكيف ستتغيّر حياتي؟.
كل هذه الأسئلة لا أعرف إجابتها لكنني أدرك أنّني لن أكون نفس الشخص بالتأكيد. ولا يمكنني تخيّل النمو الذي سيحدث في نفسي وروحي وكيف ستكون مشاعري؟ لكن لماذا لا أفعل ذلك؟
أعرف أنك تفكّر في الالتزام بالكتابة وترغب في بذلك من أعماق قلبك لكن ذلك لا يحدث. ليس لأنك مشغول جدًا ولا لأن لديك أخطاء إملائية ولا يوجد سبب حقيقي من تلك الأعذار التي تقدمها لك نفسك. أنت لا تكتب لأنك غير مؤمن بالكتابة.
لقد قرأت كثيرًا عن الناس الذين غيٍّرت الكتابة حياتهم، لكنك في أعماقك تتسائل كيف حدث ذلك؟ وكيف بدؤوا ومتى حدث التحوّل؟ ثم حين تدرك أنّ النتيجة ليست بين عشية وضحاها تملّ وتؤجّل وتنتظر الوقت المناسب. وهناك سبب خفي آخر، وهو أنك تظن نفسك تكتب بشكل خرافي وأنك بمجرد نشر أول تدوينة ستتهاقفت عليك الصحف.
يؤسفني أن أخبرك أنّ ذلك لن يحدث مطلقًا. ذلك شيء يحدث فقط في كوكب أبجد. كوكب كرتون ولا يمت للواقع بصلة. فلا تتوقع حدوث شيء كهذا. وفي المقابل لا تتوقع من نفسك المثالية وتذكّر أنّ عدم الكمال نعمة وهذا الطبيعي في عالم البشر، فلسنا آلهة في النهاية لنتوقع الكمال. تصالح مع ضعفك وبشريتك وانشر مقالاتك العرجاء والعمياء… ومع الوقت ستتحسّن
كن صريحًا مع نفسك واجلس وابدأ في الكتابة وراقب الوضع، ستجد أنّ بعضهم يحبّ ما تكتب. وكثيرون لا يأبهون لك، ولا يعرفون إن كنت موجودًا من الأساس.
خذ على سبيل المثال أنا، لا أحد يعرف ممن حولي أنني أكتب في قطعة ما من هذا الكوكب أو الويب. لا أحد يعرف دليلة الكاتبة، لكنني أكتب… وأحاول جاهدة إبقاء فتيل الأمل متقدًا لأطول فترة ممكنة. علّ وعسى أكتب يومًا ما قطعة أدبية تغيّر مجرى التاريخ. هل قلتُ التاريخ؟ أقصد تاريخ أحدهم… فلا تستهن بتاريخ شخص واحد. أو ربما أحيك يومًا ما من الحروف التي تكون لباسًا آمنا يهدّئ من روع أحدهم…
رغم أنني أؤمن جدًا بقوة الكتابة، وأكره ذكرها بسوء أمامي… لكن يؤسفني أن أقول لك أنّ الكتابة لن تأخذك إلى أي مكان إن لم تؤمن بنفسك، وتعالج خوفك. وتبني الالتزام والانضباط في نفسك. فلم يسبق أن نجح كاتب دون أن يأكل أكوامًا من المسودات فجرًا. ويتقيأ روحه في آخر الليل وهو يعيد تشكيل إحدى شخصياته. لا يوجد من نام واستيقظ كاتبًا تتهاتف عليه دور النّشر.
يحزنني أن أقول كل هذا الكلام المزعج لكن الواقع اختلف يا صديقي… لذلك تخلّص من إيمانك بربّات الإلهام، والخوارق والمعجزات. وابدأ بالكتابة رغمًا عن مزاجك اللعين، ونفسيتك المتقلّبة.
الجانب المشرق من الكتابة
بداية وقبل كل شيء الكتابة ليست للجبناء. وكذلك هي الحياة الطيبة، لا تظنّ للحظة أنّ هناك شخصا أيًا كان حقق ما تطمح إليه أنت لأنه محظوظ فقط أو لأن لديه معارفا أو لمجرّد أنه ولد في رقعة يعلوها علم به نجوم كثيرة أو ألوانه أصفر وأسود وأحمر …
في هذه اللحظة تذكرت شيئًا، إنه الموت. تخيّل نفسك على فراش الموت فهل ستكون فخورًا بنفسك، وتخبر كل من حولك أنك كاتبٌ رائع لأنك:
لم تحاول ولم تلتزم بالكتابة وانتظرت الوقت المناسب لكنه ابن حرام ولم يأت… طبعًا لن تفعل ذلك. سيأكلك الندم وتقطّعك الحسرة إلى أشلاء مثل قصاصات الورق الصغيرة تذروها الرياح وستكون نادمًا وحزينًا جدًا على وضعك.
تعال لنفعل شيئًا سويًا وإن طبقته سأكون شاكرة لك وربما ستأخذ بعده أفضل قرار في حياتك. أحضر ورقة وقلما وقسّم الـ 24 ساعة على نومك، وعملك، وبقية مسؤولياتك…. وانظر في يومك، هل ستجد أنّ هناك ساعة أو 45 دقيقة أو حتى نصف ساعة فقط تخصصها للكتابة يوميًا؟
إن وجدت أنه بإمكانك تخصيص وقت للكتابة فلا تتحجج بعد اليوم وابدأ بالكتابة، فنصف ساعة يوميًا تمكنك من نشر مقال متوسط كل يومين أو ثلاثة أيام. إذن لماذا لا نكتب؟ وهذا السؤال موجّه لي أيضًا. فلا تعتبر أنك سيء الحظ والجميع يتقصّدك حتى دليلة، هذه التي لا أدري من أين جاءت وأصبحت تتدخّل في شؤوني.
حسنًا… دعني أخبرك أنه إن التزمت بالكتابة أو على الأقل بدأت وإن كنت مازلت تحاول أن حياتك ستتغيّر. بالنسبة لي ورغم أنني لم أكتب يوميًا وكنت ولازلت مرتبكة والكثير من المشاعر المختلطة الأخرى… لقد تغيّرت حياتي حقًا ودخل حياتي أشخاصا مختلفين ويشبهونني أكثر وتجمعنا نفس الاهتمامات واختفت أشياء كثيرة كنت أحاول إخراجها من حياتي دون أدنى جهد مني.
لم يفت الأوان بعد!
أيًا كان الذي تمرّ به الآن… إن كنت تفكّر في بدء الكتابة فابدأ وتوقف عن التفكير. لأن التفكير لن يأخذك إلى أي مكان ما لم تدخل الفكرة حيّز التنفيذ، وستظلّ عالقًا في كثرة التفكير. هل سبق ورأيت طباخًا يحدّث الجميع أنه سيبدأ الطبخ ولم يفعل؟ إنه يطبخ وحسب… إذن أكتب وحسب، باختصار: أكتب، أكتب، أكتب… ثم أكتب.
وابق بخير…!
إن تحمست وقررت البدء، تواصل معي وأسعدني بقرارك. وسأقرأ لك بلإذن الله…
ـــــــــــــــــــــــــ
حقوق الصورة البارزة: Photo by ThisisEngeneeting on Pixels